القانون مكون من 35 مادة، بزيادة سبع مواد عن مثيله الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/ نيسان الماضي لرئاسة الجمهورية، وحظى بانتقادات واسعة من خبراء التقنية والمعلومات ومنظمات المجتمع المدني؛ لكونه ينتهك عددًا من الحقوق الأساسية للمواطنين.
بعد يوم واحد من قرار القضاء السعودي بتخفيف الحكم الصادر ضد الشاعر الفلسطيني أشرف فياض من الإعدام بتهمة الكفر، إلى السجن 8 سنوات، والجلد بتهمة انتهاك القانون السعودي لمكافحة الجريمة الإلكترونية، اجتمعت لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لرئاسة الجمهورية في مصر في الثالث من فبراير/ شباط الجاري؛ كي تقر نص مشروع مقدم من وزارة الدفاع تحت ذات المسمى: “مكافحة الجريمة الإلكترونية”.
وبحسب التقارير الإعلامية المنقولة عن لجنة الإصلاح التشريعي، التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب أيام من توليه الحكم في 2014، فإن القانون مكون من 35 مادة، بزيادة سبع مواد عن مثيله الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/ نيسان الماضي لرئاسة الجمهورية، وحظى بانتقادات واسعة من خبراء التقنية والمعلومات ومنظمات المجتمع المدني؛ لكونه ينتهك عددًا من الحقوق الأساسية للمواطنين، ويضع من تُرتَكَب بحقهم الجرائم موضع الاتهام والعقوبة؛ بتحميلهم المسؤولية عن الجرائم الواقعة في حقهم، تحت دعوى الإهمال.
ويأتي القانونان المصري والسعودي وسواهما من قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية العربية استجابة لأحد بنود الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي وقعت عليها الدول أعضاء جامعة الدول العربية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، ومن بينهم مصر. وعقب توقيعها؛ تولدت عنها القوانين التي أدت لسجن العديد من النشطاء والكتاب السعودين والقطريين تحت ذرائع مختلفة. وينتظر أن تجد نصوص هذه الاتفاقية طريقها أيضًا إلى القانون الذي تقدمت به وزارة الدفاع في مصر، والذي سيحال للبرلمان لإقراره قريبًا.
كما أدت هذه الاتفاقية كذلك لميلاد قوانين عديدة لمكافحة ما يسمى بالجرائم الإلكترونية في الأردن وقطر والإمارات والعراق وسلطنة عمان. وصارت الاتفاقية سارية بتصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليها العام الماضي ليكتمل نصاب الدول السبع المطلوبة لسريانها.
لم تتح وزارة الدفاع ولا لجنة الإصلاح التشريعي نصًا كاملاً لمشروع القانون، على عكس ما اعتادت عليه حكومات ما قبل 30 يونيو/حزيران، التي كانت تستجيب أحيانًا لضغوط المجتمع المدني؛ الرامية لطرح القوانين للنقاش المجتمعي قبل إقرارها. وبحسب ما نشرته صحيفة الأهرام فإن لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لرئاسة الجمهورية؛ استمعت لملاحظات وزارات الداخلية والاتصالات والمخابرات العامة والرقابة الإدارية، ولم يجر استدعاء خبراء مستقلين لتقنية المعلومات أو منظمات المجتمع المدني المعنية، أو المجلس القومي لحقوق الإنسان لحضور مناقشة مشروع القانون أو تقديم الاقتراحات.
كما تجرم الاتفاقية ما تراه اعتداءً على حقوق الملكية الفكرية، وحقوق المؤلف، إذا ارتكب الفعل عن قصد، ولغير الاستخدام الشخصي. وهو ما يضع 59 % من مستخدمي الإنترنت العرب تحت طائلة القانون.
ونشرت صحيفة المصري اليوم ومعها صحيفتي الشروق والأهرام مقتطفات من مشروع القانون الجديد، ركز فيها المتحدثون الذين قبلوا التصريح للصحف، على المواد التي ستعاقب على اختراق المواقع الحكومية والخاصة، أو الحسابات والبريد الإلكتروني الخاص للأفراد والكيانات الاعتبارية دون إذن من السلطات. كما ستعاقب على استخدام معلومات البطاقات البنكية للآخرين؛ لشراء السلع عبر الإنترنت “السرقة الإلكترونية”. بالإضافة إلى تجريم الدخول “بدون وجه حق” إلى موقع إلكتروني و”إساءة استخدام الدخول من حيث المدة والصلاحيات”. كما جرم القانون الدخول بطريق الخطأ والحصول على بيانات من المواقع الإلكترونية الحكومية، وهو ما يتنافى مع القاعدة القانونية القائلة بضرورة توافر القصد كركن من أركان الجريمة.
وتتشابه هذه المواد المنشورة مع مشروع أقدم، لقانون يحمل الاسم نفسه؛ أعدته وزارة العدل، وتقدم به مجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية في إبريل/ نيسان 2015. وحظي بالمناقشة المجتمعية من خلال مبادرات من بعض منظمات المجتمع المدني، التي جمعت بين مسؤولين بالدولة وخبراء مستقلين في تقنية المعلومات وحقوق مستخدمي شبكات الاتصالات؛ لمناقشة مواد مشروع القانون الذي تكون من 28 مادة فقط، نشرتها بعض الصحف بالكامل. بينما يتكون المشروع المقدم من وزارة الدفاع من 35 مادة معظمها غير معلن. ولم يتضمن القانون الأقدم بحسب دوره المنشور أي نص يتعلق بدور الإدارة العامة لمكافحة جرائم الإنترنت، التي أنشأتها وزارة الداخلية عام 2002. كما لم يتعرض للمواد المتعلقة بالجرائم المتصلة بالإنترنت التي نص عليها قانون الإرهاب (اللاحق عليه) ولا قانون العقوبات.
كما جرم القانون الدخول بطريق الخطأ والحصول على بيانات من المواقع الإلكترونية الحكومية، وهو ما يتنافى مع القاعدة القانونية القائلة بضرورة توافر القصد كركن من أركان الجريمة.
ولغموض المشروع المقدم من وزارة الدفاع، لجأت المنصة لنص الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والمشروع الأقد م الذي أعدته وزارة العدل، إلى جانب نصوص القوانين العربية المتاحة التي تولدت عن الاتفاقية العربية؛ للتعرف على ملامح القانون المنتظر أن يحكم التعامل مع شبكة الإنترنت في مصر، إلى جوار قانون الاتصالات الجديدالمنتظر عرضه على البرلمان خلال أسبوع، والذي لم تعلن مواده حتى اللحظة.
اتفاقية وزراء الداخلية والعدل
بحسب نص الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ فإن الاتفاقية التي وقع عليها وزراء الداخلية والعدل العرب قبل أيام من اندلاع ثورات الربيع العربي، تهدف لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ضد جرائم تقنية المعلومات، التي تهدد أمنها وسلامة مجتمعاتها. وتهدف كذلك للأخذ “بالمبادئ الدينية والأخلاقية السامية، لاسيما أحكام الشريعة الإسلامية وكذلك بالتراث الإنساني للأمة العربية التي تنبذ كل أشكال الجرائم”.
وتعرف الاتفاقية تقنية المعلومات بأنها: “أية وسيلة مادية أو معنوية أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة تستعمل لتخزين المعلومات وترتيبها وتنظيمها واسترجاعها وتطويرها ومعالجتها وتبادلها وفقاً للأوامر والتعليمات المخزنة بها ويشمل ذلك جميع المدخلات والمخرجات المرتبطة بها سلكياً أو لاسلكياً في نظام أو شبكة”، وهو ذات التعريف الذي تبناه المشرع المصري في نص مشروع القانون الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/نيسان من العام الماضي.
تتكون الاتفاقية من 43 مادة، منها 21 مادة في باب التجريم، وثمان مواد إجرائية تتعلق بحقوق السلطات جمع المعلومات وتتبع المستخدمين، وضبط المواد المخزنة على الحواسيب الشخصية والأجهزة التقنية والخدمية (السيرفرات) للأفراد والكيانات. ويتضمن الفصل الرابع المكون من 14 مادة تنظيم التعاون بين الدول الأعضاء في تبادل معلومات المستخدمين، وإتمام الإجراءات القضائية والقانونية في التحقيق والاحتجاز.
وتطالب مواد الفصل الثاني من الاتفاقية الدول الموقعة عليها؛ بأن تقوم بإصدار قوانين تجرم عدد من الأفعال ومنها: “الدخول غير المشروع والاستمرار فيه مع كل أو جزء من تقنية المعلومات”. وهو ما فسره المشرع المصري في تجريمه للدخول غير المصرح به لموقع إلكتروني، والاستمرار في الاتصال به لمدة غير مصرح بها.