هو ابن الملكة ميريت-رع والملك تحوتمس الثالث ويعد الملك السابع من ملوك الأسرة الثامنة عشر
ولد أمنحوتب الثاني في منف واتخذه أبوه “تحوتمس” الثالث في العام الخامس والخمسين من حكمه شريكا في الحكم على الأقل لمدة عامين.
أدرك الملك “تحوتمس” الثالث ان مصر وامبراطوريتها الشاسعة لن يحافظ عليها إذا لم يخلفه على العرش ملك محارب قوى يستطيع السيطرة على أمراء آسيا ويفرض عليهم احترام مصر والخضوع لها .لذا عمل على أن ينشأ ابنه “أمنحوتب” نشأة رياضية وعسكرية
ومنذ نعومة أظافره سلمه أبوه “تحوتمس” الثالث إلي أحد ضباطه ويدعى “مين” ليكون له نعم المعلم ونرى على مناظر مقبرة عمدة ثني “مين” رسومات تروى لنا أحد دروس الرماية التي كان يتلقاها الأمير الصغير على يد معلمه “مين” ويرافق الرسم نص صغير فيه يشرح “مين” للأمير قائلا “شد القوس حتى أذنك مستعملا كل ما في ذراعيك من قوة وثبت السهم يا أمير أمنحوتب”
وقد شب “أمنحوتب” حسب رغبة أبيه وبرع إلي أقصى حد في الرياضة فهناك الكثير من النصوص المعاصرة تروى لنا بارعة هذا الملك . فعلى لوحته المشهورة التي عثر عليها إلي جوار أبو الهول بالجيزة يروى لنا “أمنحوتب” الثانى مدى حبه للجياد ومهارته في تدريبها وقدرته على السيطرة عليها. وهذا منذ أن كان يافعا لدرجة أن كبار رجال الدولة خشوا عليه ونقلوا خوفهم إلي أبيه “تحوتمس” الثالث الذي لم يرتجف قلبه خشية على ولده بل بالعكس سر سرورا عظيما وطلب منهم إعطاء “أمنحوتب” خير جياد إسطبل جلالته بمنف. وقال هذا هو الذي سيصبح سيد الأرض كلها ولن يكون له معارض
هكذا أراد الأب والملك العظيم أن يكون ابنه “أمنحوتب” الرجل الذي لا يهاب المصاعب ولا يرتجف أمام المخاطرة وقد كان له ما أراد وكان لنشأة “أمنحوتب” الثاني الرياضية والعسكرية دور كبير في أن جعلت منه المحارب الذي لا يخشي الخطر ولا يتردد في اتخاذ القرار
وبعد أن أصبح “أمنحوتب” ملكا في سن الثامنة عشرة لم يهمل في إظهار قوته البدنية فقد كان يستطيع أن يأتي بالمعجزات ففي إحدى الأيام دخل مخزن السلاح وفحص ثلاثمائة قوس مقارنا بين صناعتها وذهب بعد ذلك إلي حديقة ووجد أنهم أقاموا له أربع أهداف من النحاس الآسيوي سمك كل منها 7,5 سم وبين كل هدف وآخر حوالي عشرة أمتار ونصف فاعتلى جلالته عربته مثل الإله منتو في قوته وأمسك بقوة واخذ أربعة أسهم دفعة واحدة .وساق عربته وسدد إليها السهام مثل منتو في زينته الملكية فنفذ من ظهر (الهدف الأول) ثم اتجه نحو الهدف الثان محققا بذلك عملا عظيما لم يحدث أن سمع به أحد من قبل أن يطلق الإنسان سهما على هدف من النحاس فيخرج منه السهم ويستقر على الأرض ـ (لم يفعل ذلك أحد) اللهم إلا الملك العظيم في أعماله “أمنحوتب” الثاني
ولما بلغ الثامنة عشرة آتي بالمعجزة الآتية ففي أحد الأيام كان يجدف في آخر سفينة الصقر ومعه مائتان من البحارة وتركوا الشاطئ وما أن قطعوا ثلثي ميل وهم يجدفون حتى أصابهم التعب وضعفت أجسامهم ـ بينما ظل جلالته على قوته وهو يجدف بمجداف يبلغ طوله حوالي عشرة أمتار ونصف ورست السفينة بعد أن قطعت أربعة أميال وهو يجدف دون أن يتوقف لحظة واحدة وكانت الوجوه مشرقة وهي تنظر إليه عندما فعل ذلك
ويعلق جون ولسون على هذا النص بقوله: “وحتى لو دخلنا الشك في صحة هذه الأرقام التي وردت أو في أمانة السياق وحتى لو قلنا أن ذلك العمل كان جماعيا وليس مجهودا لفرد واحد فأنه يجب علينا ألا نغفل إننا أمام حادث قام به أحد الملوك وهو يصور لنا تصويرا صادقا روح العصر الذي عاش فيه”
كان أحد مظاهر الأسرة الثامنة عشرة هو استعراض قوة الملك وبراعته واقباله على ممارسة الرياضة . وكان المصريون يمجدون الرياضة والرجل القوى الجسم . بدا هذا التقليد منذ “تحوتمس” الأول الذي نراه يصطاد الفيلة في “ني” ثم يتبع “تحوتمس” الثالث نفس الأسلوب فيقص علينا كيف قام باصطياد مائة وعشرين فيلا في شمال سوريا وكيف قتل سبعة أسود في لحظة قصيرة وأمسك قطيعا من أثنى عشر ثورا في ساعة واحدة إلا أن “أمنحوتب” الثاني هو الذي امتاز بأنه صاحب الأعمال الرياضية الخارقة ونذكر بالذات براعته في الرماية التي كان يعتز بها اعتزازا خاصا لدرجة أنه عندما مات أخذ معه في قبره قوسه الكبير المصنوع من الخشب والقرن وهو يلائم ما كان يردده مفتخرا: “لا يوجد رجل يستطيع أن يشد قوسه بين رجال جيشه أو بين حكام البلاد الأجنبية، أو بين أمراء رتنو لأن قوته كانت أعظم بكثير من (قوة) أي ملك عاش قبله وامتد هذا التقليد في إبراز قوة الملك في استعماله للسلاح أو بممارسته للرياضة حتى أيام “أمنحوتب” الثالث
اهتم “تحوتمس” الثالث بأن يكون لابنه “أمنحوتب” دور في الجيش فجعل منه قائدا للجيوش المعسكرة في منف حيث كانت توجد أهم ترسانة حربية وقوات برية كما ضمت ميناءا هاما .. ميناء “برو نفر” أي (الإبحار الطيب) حيث كانت ترسوا السفن ومنها تتجه إلي آسيا. ارتبط الملك “أمنحوتب” بمنف ارتباطا قويا كما كانت لها في نفسه منزلة خاصة ولإلهها بتاح معزة قوية.
يقول دريوتون وفاندييه: “من المؤكد أن تغير الحكم ولد أملا كبيرا في قلوب الأمراء الآسيويين فسرعان ما نظموا ثورة ضد مصرـ لكن من سوء حظهم أن الملك الجديد كان عالي الهمة ففي السنة الثالثة من حكم “أمنحوتب” الثاني هبت ثورة في شمال فلسطين وجنوب سوريا فلم يتردد الملك وسار على رأس جيشه إلي آسيا واننا لا ندرى إذا ما كان اتخذ الطريق البرى أو البحري وذلك لأن اللوحة التي أقامها في معبد الكرنك لتخليد ذكرى هذه الحملة لم توضح لنا الأمر ويذكر نص هذه اللوحة أن الملك وصل إلي بلدة “شمش أدوم” وقاتل هناك رجلا لرجل ثم عبر نهر العاصي بعدها ووقعت معركة أخري كان النصر فيها للمصريين وبعدها اتجه الملك بجيشه إلي بلدة “ني” فخرج سكانها لاستقباله ومنها توجه إلي “إيكاتي” لنجدة الحامية التي كان قد تركها هناك فأعاد الأمن والنظام للمنطقة .وامتدت حركة العصيان التي ولدت في سوريا وامتدت إلي الصحراء حيث ثارت بعض قبائل البدو على مصر ولكن العصيان الذي ترأسته قبيلة “خاتيتانا” أخمده “أمنحوتب” بسهولة وعاد بعدها إلي مصر مثقلا بالغنائم وأحضر الملك معه سبعة أمراء سوريين من إقليم “تيخسي” وشنقهم دون تردد أمام آمون : شنق ستة منهم أمام معبد آمون بطيبة والسابع شنقه أمام معبد نفس الإله في نباتا بالجنوب
قام “أمنحوتب” بأعمال بطولية فردية لم تبخل نصوص الكرنك بوصفها بإسهاب فمثلا عندما كان جيشه يعبر نهر العاصي كان هو في المؤخرة يحميه فهاجمه الآسيويين فواجههم بشجاعة وجعلهم يلوذون بالفرار وأسر جلالته بنفسه ثمانية منهم “لم يكن مع جلالته جندى واحد كان وحده ومعه ذارعه القوى” وقاد عربته إلي مدينة “حتبو” في سمريا وعاد ومعه ستة عشر من محاربي “الماريانو” أحياء كانوا يمشون على جانبي عربته الحربية معلقا عشرين يدا مقطوعة على جبهة الجوادين ويقود أمامه ستين رأسا من الماشية فجددت المدينة خضوعها للملك.
أما أعظم مجازفاته فهي عندما قام بنفسه على حارسة أكثر من ثلاثمائة أسير آسيوي ليلا حفر حولهم حفرتين مليئتين بالنار وظل طوال الليل يحرسهم ولم يكن معه سوى فأس الحرب
انتهز “أمنحوتب” الثاني كل الفرص حتى يجسم شجاعته إلا أن بعض أعماله اتسمت بالوحشية التي لم يلجأ إليها أي ملك مصري من قبله سوى “تحوتمس” الأول عندما علق على صارية سفينته جثمان أمير نوبي قتل في معركة ضد المصريين وأراد “تحوتمس” بهذا أن يرهب باقي سكان النوبة.
وقاد “أمنحوتب” حملتين على آسيا إحداهما في العام الثالث من حكمه والأخرى في العام التاسع من حكمه وعاد منهما منتصرا واحضر معه إلي مصر أعداد كبيرة من الأسرى منهم مائة وسبعة وعشرون أسيرا آسيويا، وخمسة عشر ألفا من بدو الجنوب، وستة وثلاثين ألفا من فلسطين وسوريا، ومن مدن شمال سوريا نحو خمسة عشر ألفا ومن العابيرو ثلاثة آلاف وستمائة أسير .ويقول جون ولسون مفسرا هذا: “أنه كان يمكن استخدام مثل هذا العدد الكبير من الأسرى الأجانب في المشروعات والأعمال في مصر وأن اتساع الإمبراطورية كان يتطلب من الجيش أن يحضر معه الكثير من الأسرى والي جانب هذه الأعداد الكبيرة من الأسرى التي أتي بها خاصة في حملة العام التاسع كما جلب معه مائتين وسبعين امرأة من آسيا لكي ينضموا إلي حريمه الملكي .ويقول جون ولسون: “أن دخول هؤلاء السيدات والمحظيات الآسيويات إلي الحريم المصري أمر له دلالته في التقارب الخلفي بين الشعوب في ذلك العصر
وبهاتين الحملتين على آسيا والتي روتها لنا لوحات الكرنك، منف، عمدا، ونباتا، أمن “أمنحوتب” إمبراطوريته وأسكت أصوات الاحتجاج ونكس رايات العصيان، فسكتت ميتان وأقسم أمير قادش بين يديه يمين الولاء وتدفقت الأموال على مصر والهدايا آتية إليه عربونا للولاء .
ونعمت مصر في عهده بالرخاء والاستقرار فمنذ العام الاربع من حكمه قام بتحديد مملكته في الشمال والجنوب فبعث بأحد رجاله ليضع إلي جوار لوحة أبيه “تحوتمس” الثالث على الشاطئ الشرقي للفرات لوحة تحدد حدود مصر من الشمال وقام بوضع لوحة أخرى في معبد نباتا تحدد حدود مصر الجنوبية.
ومات “أمنحوتب” الثاني بعد أن ترك من الأولاد خمس ذكور احتفظت لنا رسومات مقبرة مربى هؤلاء الأمراء المدعو “حقا رشو” بصور الأمراء جالسين على ركبتيه وقد محيت صورهم عن عمد وبقيت فقط صورة “تحوتمس” وربما كان هذا بسبب خلاف دب في الأسرة بعد وفاة الملك الذي تولى من بعده ابنه الذي حكم مصر باسم “تحوتمس” الرابع
دفن “أمنحوتب”الثاني في مقبرة رقم 35 بوادى الملوك ومومياؤه محفوظة الآن بالمتحف المصري بالقاهرة