تتغير أحوال الدنيا وظروفها، فلم تُخلق الحياة على لونٍ واحدٍ من النعيم ولا من الشقاء، بل شاء الله – سبحانه وتعالى- أن يتمايز الخلق في كل شيء: في اللون والشكل والمظهر، وفيما منَّ به الله من رزق في الولد أو المال أو الأهل أو غير ذلك من فضل الله – سبحانه وتعالى- « {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} » [هود:118 ] وقد ذكر ابن كثير في تفسيره: “يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة ، من إيمان أو كفران كما قال تعالى: ” {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا} ” [يونس: 99 ] وقوله: ” {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} ” أي : ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم. قال عكرمة: مختلفين(في الهدى) . وقال الحسن البصري، مختلفين في الرزق، يسخر بعضهم بعضًا، والمشهور الصحيح الأول. وقال تعالى: « {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} » الزخرف:33
ومن وسائل التربية المفيدة، والأساليب الجيدة أن يتحمل أفراد الأسرة المسؤولية، وأن يتعود الأبناء على تحملها، فالأبناء الذين ينشؤون على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية وتقاسم الأعباء يكبرون وقد اعتادوا ذلك، فلا يصطدمون بمشكلات الحياة وتعقيداتها، وإن حدث كانوا على التعامل معها أقدر، وعلى حلها أكثر قدرة.
ولذا فمن الضروري أن تدرب أبناءك وبناتك وأهل بيتك على تحمل المسؤولية، ففيها النفع الكثير لك ولهم، وفي تعويدهم على تحمل المسؤولية الكثير من المنافع ولعل منها أنها:
• تكسبهم الثقة بالنفس وإمكاناتها، واحترام الذات وتقديرها.
• تكسبهم التوقف والابتعاد عن الخوف والقلق من الفشل وانتقاد الاخرين وغير ذلك.
• تكسبهم التمكن الجيد من إدارة الحياة، فالذي يتعود تحمل المسؤولية يستطيع أن يدير حياته بكل سهولة ويسر.
• تكسبهم النجاح المحقق في أغلب شؤون الحياة وذلك من واقع التجربة والخبرة الميدانية.
وكثيرًا ما يتردد قول القائل: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، ولا مانع أن ترتب وتخطط لتعويد أبنائك على تحمل المسؤولية وتدريبهم عليها، لأننا – وللأسف الشديد – في كثير من الأحايين لا نهتم بذلك، فنتج جيل اتكالي يعتمد على الآخر، مدلل في الكثير من شؤون حياته، لا يستطيع أن يخدم نفسه، أو أن يكون عونًا لأهله وأسرته في أبسط الأمور، تعوَّد على الراحة والدعة، ولله در عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حينما قال: ” إني لأكره أن أرى الرجل سَبَهلَلاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة ” وما ورد عن بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ” إني لأمقت الرجل أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة” ومن ثم تجد كم العاطلين بالألوف …. لا تجد لهم عملاً، ولا ترى لهم قيمة سوى أنهم غير ذي قيمة.
ولم يكن ذلك شأن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا السلف الصالح ولا الكبار والقادة من هذه الأمة، فأسامة بن زيد قاد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم – للروم وعمره ستة عشر عامًا، ومحمد بن القاسم الثقفي يقود جيوش المسلمين لفتح بلاد السند وعمره ثمانية عشر عامًا، وحفظ الشافعي القرآن وهو ابن سبع والموطأ وهو ابن عشر، وبدأ يفتي وهو دون العشرين، وغيرهم من كبار هذه الأمة.
والحق أنه كلما اعتمد الشاب على نفسه والفتاة على نفسها، كان ذلك أدعى إلى نجاح كل منهما، واستقرار الأسرة وسعادتها، فنجاح الأبناء والبنات -آباء وأمهات المستقبل- لا شك- نجاح الأسرة بأكملها، وفي سعادتهما سعادة للجميع.
وإن مما يعين على تربية الأبناء على تحمل المسؤولية مجموعة من الأمور أضعها بين يديك لعلها تكون سببًا في تربية جيل قادر على تحمل المسؤولية:
• وضوح الغاية من خلق الإنسان في نفوس الأبناء، فالله لم يخلقنا عبثًا وإنما لغاية وعلة، قال الله تعالى: ” {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ” المؤمنون: 115، وقال – سبحانه-: ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ” الذاريات: 56، جيد أن يكون ذلك الأساس الذي تبني عليه.
• القدوة الحسنة لما تقوم به، فلابد أن يكون الزوج والزوجة مثالاً لتحمل المسؤولية والقيام بها، فلا يمكن أن ينشأ الأبناء على ما تريد وهم يرون الوالدين خلاف ما يوجهان به، أو يأمران بعمله، كن قدوة لأبنائك في القيام بواجبك نحوهم وفي تحمل المسؤولية.
• جيد أن تتناول معهم النماذج الرائعة والمشرقة من تاريخ أمتنا وسلفها الصالح، حدثهم عن مالك والشافعي وأحمد، حدثهم عن عائشة ورفيدة وزينب وأم كلثوم، حدثهم عن معاذ بن جبل وزيد بن ثابت، ومحمد الفاتح وصلاح الدين وغيرهم من أبطال الأمة ورموزها، حدثهم وشجعهم على القراءة عنهم، لا شك أنهم يتخذونهم قدوة، وليكن شعارك وشعارهم قول الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكــرام فلاح
• الميدان العملي والتجربة أفضل ما يمكن أن يصقل المهارات فيهم، كلف أحد أبنائك بإدارة شؤون البيت ليوم واحد، حدد له الغاية والهدف، أعطه الإمكانات والصلاحيات كاملة، في نهاية اليوم اجلس مع أسرتك وقيم التجربة، وقدم له نجاحاته فيما قام به، وما يمكن أن يعالجه لاحقًا.
• عزز سلوكه وشجعه، وقدِّر فيه روح الجدية والانضباط والمبادرة والحرص على النجاح، وإياك أن تحبطه أو ترسل له أية رسائل سلبية، فإن أكثر ما يؤدي إلى الفشل هو هذه الرسائل.
• لا تيأس من إعادة المحاولة إن لم ينجح، وكرر ذلك معه مرات ومرات وبأشكال مختلفة.
• لا تقصر ذلك على أبنائك وفقط، وليكن ذلك نهج تربيتك لأولادك، وليكن لبناتك من ذلك الحظ والنصيب، فهن أمهات المستقبل، لتتحمل البنت هي الأخرى المسؤولية، يمكن أن تكلفها والدتها بالمسؤولية عن إعداد وترتيب وتجهير استقبال ضيوفكم أو إدارة شؤون البيت أو غيرها من المهام.
إن الإنسان ينشأ على ما تربى عليه، وهو بالطبع انعكاس لما تكون عليه بيئته، وإن مما يحفظ من الأشعار قول أبي العلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
بهذه المعينات وغيرها يتعود أبناؤكم تحمل المسؤولية، وتنبت العديد من صفات الرجولة والقدرة والوعي بالمهام والتكليفات في أسرتك، وتسعد وتسعد أسرتك، قال -تعالى-:” {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} …. ” الأعراف:58