مقالات الرأي

أرضنا جميعاً

ثمة أسباب لا تُحصى تدعونا إلى نقد أنفسنا ومجتمعاتنا. ليس حباً بجلد الذات بل من أجل فهم مآزقنا والاعتراف بها والسعي إلى الخروج منها. استحضار ما قدّمته حضارتنا للإنسانية ما عاد يدعونا إلى التباهي، بل العودة إليه في الكتب تحرّك فينا أوجاعاً قاسية وسؤالاً هو: كيف أصبحنا هنا؟ أو كيف ركضنا عكس الزمن؟ ليس دقيقاً تباهينا بأنفسنا. وبمَ نتباهى؟ الإنجازات الفكرية التاريخية حقيقة يعترف بها العالم. لكن ألن نخجل من التستر بالماضي الذي أصبح بعيداً جداً ومتقدّماً على حاضرنا؟ نعلم أنّ التاريخ شاهد على الظروف كلّها وأنّ الغوص في الكتب والتحليل يقدّم شروحاً مختلفة ونظريات متعددة. وربما يبدو هذا الكلام ترفاً في عتمة حروبنا الحالية. نعيش في عصر ظلام طويل كلّما حلمنا بالخروج منه حاصرتنا كوابيسه طاردةً الأحلام الملوّنة كلّها أو مشاريع الأحلام. لكنْ أمامنا سبب واضح مرتبط مباشرة بحاضرنا وغدنا معاً. أحد أخطر أسباب معاناتنا الجهل والعنف يرتبط بالتعليم المدرسي غير الملهِم، بالأنظمة التعليمية المتخلّفة في معظم البلدان العربية. بعضها ينتمي إلى قرن مضى، وبعضها الآخر يتحكم فيه تعصّب المجتمع وتشتّته. غياب المؤسسات الحديثة والنقد الذاتي ينعكس غياباً لآليات تطوير التعليم وأساليب تنفيذه. الاستثمار في المستقبل هو حبل خلاصنا. فمَن غير المدرسة يقدر على منح الطفل، المواطن المسؤول عن الغد، في أهم مراحل حياته تجربة بناء نفسه وتطوير شخصيته ليعانق العالم ويجيد الاختيار؟ يجب أن تكون مدارسنا منصّات للانطلاق نحو الآخر، لفهم لغة العصر الجديد وفهم العالم والتعمّق في ثقافاته، ورسم خرائط الانفتاح على الحضارات، على ماضيها وحاضرها، والمساهمة في التوصّل إلى ما يخدم المجتمعات كلّها، وما يعود بالفائدة على الإنسان، على هذه الأرض، أرضنا جميعاً.
هالة كوثراني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى