إدارة ترامب ترفض التعاون الدولي.. و”أمريكا أولا” يقود واشنطن للعزلة
قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أول يونيو الماضي، الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، زاعما أن اتفاق المناخ يهدف إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وإعاقتها وإفقارها. وفي الوقت الذي كانت تستعر فيه انتخابات الـ”يونسكو” على منصب الأمين العام، الخميس الماضي، أعلنت واشنطن انسحابها من المنظمة الدولية للتربية والعلم والثقافة. كما هدد ترامب، أمس الأول، بوضع حد “في أي وقت” للاتفاق النووي الإيراني، ويعد ذلك خط جديد للسياسة الأمريكية قائم على رفض التعاون الدولي ورفع شعار “أمريكا أولا”.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، أمس، أن منطق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقوم على فرض “ميزان القوى” و”رفض التعاون” المتعدد الأطراف في القضايا الدولية الكبرى.
وقال لودريان، في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس”، إن “الولايات المتحدة تتخذ اليوم موقف القوي، وفرض ميزان القوى، والتنافس ورفض التعاون المتعدد الأطراف”، وأضاف: “من المؤكد أن دور التعاون المتعدد الأطراف وأهميته أصبحا موضع تشكيك، بعد رفض ترامب اتفاق المناخ، وتشكيكه في الاتفاق النووي الإيراني وانسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو”.
وتابع وزير الخارجية الفرنسي “لدينا رؤية تختلف كثيرا عن رؤية إدارة ترامب لضمان الأمن العالمي، وهذا ليس سببا لعدم التحادث مع حلفائنا الأمريكيين، بل على العكس من ذلك”.
ويهدد موقف ترامب حول إيران بواعز من شعار “أمريكا أولاً” بعزل الولايات المتحدة عن العالم وإضعاف مصداقيتها، نظراً لما يمثله من هجوم جديد على التعاون متعدد الأطراف. وحتى الآن يجد المراقبون صعوبة في تحديد النقاط المفصلية لدبلوماسية الرئيس الأمريكي نظراً لغياب الانسجام أو الفجوة العميقة بين خطابه الناري وأفعاله، حسب “فرانس برس”.
وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مرارا عن علاقات مميزة مع نظيره الأمريكي آملا بقاء الولايات المتحدة على التزامها في اتفاق باريس المناخي لكن ترامب قرر الانسحاب.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع يونيو الماضي، إن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، الموقعة في عام 2015، لينفذ بذلك وعدا رئيسيا قطعه في حملته الانتخابية. وحيث أعلن ذلك في حفل بحديقة الورود في البيت الأبيض قائلا: “سوف ننسحب”، واصفا الاتفاقية بأنها تضع أعباء مالية واقتصادية ضخمة. وأوضح أن الانسحاب الأمريكي يمثل إعادة تأكيد للسيادة الأمريكية، وفقا لموقع “العربية. نت”.
وأعلنت الولايات المتحدة، الخميس الماضي، انسحابها من منظمة الـ”يونسكو” بعد انتقادات متكررة للقرارات الصادرة عن الوكالة الثقافية الدولية، التي تعتبرها واشنطن “مناهضة لإسرائيل”، وتوقفت أمريكا عن تمويل الـ”يونسكو” بعد أن صوتت لإدراج فلسطين كعضو في عام 2011، ولكن وزارة الخارجية أبقت على مكتب في مقر المنظمة في باريس، وسعت إلى التأثير في السياسة في الخفاء.
وفي خطاب ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، والذي تمحور حول فكرة “السيادة”، وقراره، أمس الأول، بسحب إقراره بالتزام إيران تطبيق الاتفاق النووي، الذي تتمسك به سائر القوى العظمى الموقعة عليه، يؤكدان على ما يبدو نزعة ارتسمت منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير.
وقال رئيس مركز “مجلس العلاقات الخارجية” للأبحاث ريتشارد هاس، إن “سياسة ترامب الخارجية وجدت شعارا لها ألا وهو عقيدة الانكفاء”.
وانضم الاتفاق الإيراني إلى قائمة طويلة من الاتفاقات أو المنظمات الدولية التي انسحبت منها واشنطن أو تهدد بالانسحاب منها، بدءا بالشراكة عبر المحيط الهادئ، إلى اتفاق باريس للمناخ، واتفاق التبادل الحر في أمريكا الشمالية (نافتا) وأخيراً منظمة الـ”يونسكو”.
ودعت فرنسا الكونجرس الأمريكي، أمس، إلى الحفاظ على الاتفاق حول النووي الإيراني، مؤكدة استعدادها لإجراء “مناقشات صعبة” مع طهران حول مواضيع أخرى مثل برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي “نأمل بقوة ألا يعيد الكونجرس النظر في الاتفاق كونه يتحمل الأن مسؤولية انهياره المحتمل” بعد أن رفض الرئيس دونالد ترامب الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق، طالبا من الكونجرس سد الثغرات الخطيرة.
ولم يكن مفاجئا أن يتصدر المسؤولون الديموقراطيون الحلبة ليرسموا صورة قاتمة لحصيلة الأشهر التسعة الأولى من حكم الرئيس الجمهوري الذي لم يسبق له أن تولى منصبا سياسيا قبل انتخابه، وفقا لـ”فرانس برس”.
وقال بن رودز مساعد مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إن “ترامب شكك مجددا بقدرة الولايات المتحدة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية”، متحدثاً عن “انتهاك اتفاق” تاريخي أبرم في 2015 من أجل منع طهران من حيازة السلاح النووي. وتابع: “لن ترغب دول أخرى في إبرام اتفاقات مع الولايات المتحدة، لأنها ستفكر في أننا لن نلتزم كلمتنا”.
وحذرت وندي شيرمان كبيرة المفاوضين الأمريكيين حول الاتفاق، أنه حتى وإن لم يذهب الملياردير ترامب إلى حد تمزيق الاتفاق كما توعد، فإن سحب إقراره والتهديد بإنهاء العمل به في أي وقت، “من شأنه إضعاف وعزل” واشنطن وكذلك علاقتها مع الأوروبيين وفي المقابل، تعزيز موقف إيران وروسيا والصين.
والديموقراطيون ليسوا الوحيدين في توجيه الانتقادات، إذ أعرب دبلوماسيون سابقون خدموا في إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق جورج بوش، عن شكوكهم علنا. فقد أشار ريتشارد هاس إلى عدم الانسجام في خطاب ترامب الذي يواصل التهجم على “الدكتاتورية” والنظام الإيراني عبر “التلميح إلى أن تغيير النظام هو الهدف النهائي للسياسة الأمريكية”، في حين أنه يدعي أنه لم يعد يريد فرض مثل هذه الخيارات.
وبدوره، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي تفاوض على الاتفاق باسم طهران، أن خطوة ترامب ستؤدي إلى الحاق أضرار دائمة بمصداقية الولايات المتحدة، وأضاف لشبكة “سي بي إس” الأمريكية أنه “لن يثق أحد بأي إدارة أمريكية لبدء مفاوضات طويلة الأمد”.
ومن جانبه، ندد وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، بـ “التخلي الخطير عن الحقائق لصالح الأيديولوجيا”، وقال إن ترامب “يضعفنا ويبعد حلفائنا ويقوي مؤيدي الخط المتشدد في إيران ويجعل من الصعوبة حل قضية كوريا الشمالية ويخاطر بتورطنا في نزاع عسكري”.