أغلقت خلال الأشهر الماضية جميع مدارس الدولة أبوابها بسبب تفشي النوروفيروس Norovirus، الذي يُعرف بإنفلونزا المعدة Stomach Flu.
فيروس النوروفيروس مُعدٍ بشدة وينتشر بسرعة ضمن مجتمع صغير مثل المدرسة، أو على متن سفينة سياحية. على الرغم من أن أغلب المرضى يتعافون خلال 48-24 ساعة، يُعد النوروفيروس سببًا رئيسيًا لأمراض الأطفال في البلدان النامية مسببًا ما يقارب 50,000 وفاة كل سنة، وما يثير الاهتمام أن احتمالية الإصابة بالفيروس لا تمس الجميع، بل تعتمد على زمرة الدم.
التخلص من النورورفيروس أمر صعب
أنا –باتريشيا فوستر– باحثة في علم الأحياء المجهرية ولدي اهتمام بالنوروفيروس لأنه، رغم أعراضه المزعجة تحت أي ظرف، كان تصادمي معه متعبًا جدًا.
خلال رحلة بالطوف دامت سبعة أيام في غراند كانيون Grand Canyon، أُصبنا جميعًا بالمرض واحدًا تلو الأخر، ومن الواضح أن المرافق الصحية البرية ليست الأفضل في التعامل مع هذه الجائحة، ولكن لحسن الحظ تعافينا جميعًا وبسرعة، وقد اتضح أن فاشيات النورورفيروس خلال رحلات الطوف في نهر كولورادو شائعة جدًا.
على الرغم من شدة المرض الناتج عن الفيروس، فإن جسيم النوروفيروس جميل عيانيًا، وهو من الفيروسات غير المغلفة، أو العارية، ما يعني أن الفيروس لا يمتلك غشاءً خارجيًا كباقي الفيروسات مثل فيروس الإنفلونزا.
يوجد على سطح نوروفيروس غلاف بروتيني يُسمى القفيصة Capsid يحمي الحمض النووي الفيروسي. تعد القفيصة العارية أحد العوامل التي تزيد صعوبة السيطرة على هذا الفيروس، لأنها غير حساسة للكحول والمطهرات على عكس الفيروسات المغلفة.
يستطيع نوروفيروس البقاء على قيد الحياة في درجة حرارة التجمد وحتى الدرجة 145 فهرنهايت (62 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة يمكن أن يصلها الماء في غسالات الصحون المنزلية)، وهو مقاوم للصابون والمبيضات ومطهرات الأيدي الكحولية، ويمكنه أن يبقى على أيدي الإنسان لمدة ساعات، وعلى السطوح الصلبة والأغذية لأيام عديدة.
ما يزيد الحالة سوءًا هو أنه يمكن لعشرة جسيمات فيروسية من نوروفيروس أن تسبب المرض للإنسان، وباعتبار أن الشخص المصاب يطرح ملايين الفيروسات، فذلك يزيد من صعوبة منع انتشاره.
الاستعداد للإصابة بالنوروفيروس يعتمد على فصيلة الدم
يصيب الفيروس خلايا الأمعاء الدقيقة بعد دخوله الجسم، ولا يعلم الباحثون تمامًا الطريقة التي يسبب الفيروس من خلالها هذه الأعراض، ولكن من سمات النوروفيروس المميزة أنه بعد التعرض له، فإن فصيلة دم الشخص هي من تحدد هل سيصاب بالمرض أم لا.
تُحدَّد فصيلة الدم –A، B، AB، O– عبر جزيئات، تُسمى قليلات السكاريد، ترمز لها الجينات، وتوجد هذه الجزيئات على سطح الخلية الدموية الحمراء. تتكون قليلات السكاريد من أنواع مختلفة من السكريات المرتبطة مع بعضها بروابط معقدة. نفس قليلات السكاريد الموجودة على سطح خلايا الدم الحمراء تكون موجودةً أيضًا على سطح الخلايا المبطنة للأمعاء الدقيقة، وتستخدم بعض الفيروسات، ومن ضمنها نوروفيروس، قليلات السكاريد من أجل التمسك بالخلايا المعوية وإصابتها، وتحدد البنية المميزة لقليلات السكاريد إمكانية ارتباط سلالة الفيروس بالخلية وغزوها.
إن وجود أحد أنواع قليلات السكاريد، المُسمى المستضد H1، مهم من أجل ارتباط العديد من سلالات النوروفيروس. يشكل الأشخاص الذين لا تصنّع خلايا أمعائهم المستضد H1 نسبة %20 من الأوروبيين، وهم يُعدون منيعين تجاه عدة سلالات من النوروفيروس.
ترتبط سكريات أخرى بالمستضد H1 لتشكيل فصائل الدم A أو B أو AB. الأشخاص غير القادرين على تصنيع مستضدَّي الزمرتين A وB، ستكون فصيلة دمهم O.
سلالات مختلفة من النوروفيروس تصيب أشخاصًا مختلفين
يتطور النوروفيروس بسرعة، وإن ما يدل على ذلك هو وجود 29 سلالة مختلفة منه يمكنها إصابة البشر. تملك كل سلالة مستضدات مختلفة تمكنها من الارتباط بمختلف أشكال جزيئات السكر في لمعة الأمعاء الدقيقة، وتُحدَّد هذه السكريات بواسطة زمرة الدم.
عند تعرض مجموعة من الناس لسلالة معينة من الفيروس، يجري تحديد من سيصاب بالمرض بالاعتماد على الزمر الدموية للمصابين، ولكن في حال تعرضت نفس المجموعة لسلالة مختلفة من نوروفيروس، فقد نرى حالات إصابة ومقاومة مختلفة عن التجربة السابقة.
بشكل عام، يكون الأشخاص الذين لا تصنع أجسامهم المستضد H1 وأيضًا أصحاب الفصيلة B منيعين تجاه الفيروس، في حين يميل أصحاب الزمر A وAB وO للإصابة بالمرض، ولكن هذا المثال يعتمد على سلالة معينة من الفيروس.
كان اختلاف الاستعداد للإصابة بالفيروس أمرًا مثيرًا للاهتمام، فعند حدوث جائحة على متن سفينة سياحية مثلًا، ينجو ثلث الركاب تقريبًا من الإصابة من المرض، ولأن الباحثين لا يعلمون السبب الأساسي لهذه المقاومة، كان أغلب المقاومين ينخرطون بالتفكير بأسباب سحرية؛ مثلًا، «أنا لم أمرض لأنني شربت الكثير من عصير العنب».
وبالتأكيد، هذه الأساليب الخيالية المراوغة لن تعمل في حال حصول جائحة أخرى لسلالة جديدة يتحسس لها هذا الشخص.
المناعة قصيرة الأمد ضد النوروفيروس
تحرض الإصابة بالنوروفيروس استجابةً مناعية قوية تقضي على الفيروس خلال عدة أيام، ولكن هذه الاستجابة قصيرة الأمد على ما يبدو. كشفت أغلب الدراسات أن المناعة ضد عدوى ثانية لنفس السلالة من نوروفيروس تدوم أقل من ستة أشهر.
تقدم الإصابة بسلالة واحدة من الفيروس حماية ضعيفة من الإصابة بسلالة أخرى. وهكذا، بوسعك أن تواجه النوروفيروس أكثر من مرة.