الأحلام أرض الإبداع . لماذا نحلم

لطالما كان موضوع الأحلام مثيراً لاهتمامنا وفضولنا؛ نحن من نحلم يومياً بأشياء قد نفهمها وقد لا نفعل، ونرى صوراً نتذكرها للأبد أو تتلاشى فوراً بعد استيقاظنا وعودتنا لأرض الواقع. وليست حيرتنا تجاه أحلامنا بأمر جديد، فقد كانت موضوعاً يشغل الفلاسفة وعلماء النفس والدماغ والأعصاب منذ زمن طويل. – ما الحلم؟

يمكن للحلم أن يكون مجموعة من الصور والأفكار والمشاعر التي نعيشها خلال النوم، في حين أن هذه المشاهد يمكن أن ترتبط بأحداث نعرفها، أو تجسد مخاوف مختلفة تعيش فينا أو قد تكون غريبة وغامضة ومشوشة، ويمكن أيضاً أن تجسد أمنياتنا لتكون مليئة بالمتعة والشعور بالفرح.

– التفسيرات العلمية للأحلام يفسر بعض العلماء الأحلام على أنها ليست ذات دور مباشر في حياة الإنسان، إنما هي إحدى المراحل البيولوجية التي يمر بها خلال النوم. وعلى العكس، يرى علماء آخرون أن للأحلام دوراً أساسياً في حياة الإنسان، ويمكن تفسير وجودها بعدة طرق، اشتهر من بينها 6 تفسيرات،

وهي:

التفسير الأول لوجود الأحلام يقول إنها شكل من أشكال معالجة الذاكرة، إذ تساعد على تثبيت ما قمنا بتعلمه قبل النوم، وتعمل على نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى للذاكرة طويلة المدى من أجل تخزينها وحفظها.

التفسير الثاني؛ فيرى في الأحلام امتداداً للوعي المستيقظ، إذ يعتبر انعكاساً لتجارب الحياة اليومية.

التفسير الثالث بأن الأحلام هي وسيلة يستخدمها الدماغ لكي يعالج المشاعر السلبية والأفكار والمشاعر المقلقة والتجارب الصعبة والمعقدة؛ بهدف التوصل إلى التوازن النفسي والعاطفي.

إلى جانب هذه التفسيرات التي تبدو جميعها منطقية للقارئ، يفترض علماء آخرون أن الأحلام ردود فعل الدماغ على التغيرات البيوكيمياوية والإشارات الكهربائية التي تصدر خلال النوم.

التفسير الخامس بأن الأحلام هي شكل من أشكال الوعي الذي يوحّد ويربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فيعالج الماضي والحاضر ويجهز نفسه للمستقبل. وبحسب التفسير الأخير، فإن الأحلام إجراء وقائي يتخذه الدماغ ليجهز نفسه للعديد من السيناريوهات المستقبلية التي قد تحتوي على عوامل مهددة أو أخطار أو تحديات.

– مؤشر إلى الصحة وتعتبر الأحلام وما نراه فيها، بحسب كثير من العلماء، مؤشراً إلى الصحة النفسية أو العضوية، فقد وُجد أن الكوابيس تعتبر عرضاً من أعراض الاضطراب النفسي المعروف باضطراب “ما بعد الصدمة”، فيشاهد المصاب كوابيس متعلقة بالتجربة الأليمة التي مرّ بها، لذلك يعتبر اختفاء هذه الكوابيس إحدى دلالات الشفاء.

إلى جانب ذلك، تقول الدراسات إن المصابين بالاكتئاب أو اضطرابات القلق والضغط النفسي والمزاج يعانون الكوابيس أيضاً، وهنا يستفيد الاختصاصيون من معرفة وجود الكوابيس من عدمه لمعرفة عمق الاكتئاب أو القلق.

وما يدل أيضاً على ارتباط الأحلام بالصحة النفسية هو أن الأدوية التي يتناولها المصابون بالاكتئاب (SSRI) تؤثر في نوع الأحلام التي تراودهم.

– تأثير الأحلام في الواقع وهنا قد يسأل سائل هل للأحلام تأثير في حياتنا اليومية؟ والإجابة هي: بالتأكيد.
وقد أجريت أبحاث ودراسات كثيرة لتبحث في مدى هذا التأثير وطبيعته، كما جمعت شهادات من مبدعين معروفين ليتحدثوا عن دور الأحلام في عملهم؛ وقد توصلت الدراسات إلى نتيجة مبهرة؛ وهي أن الأحلام تساعدنا خلال الصحو على “الإبداع” وحل المشاكل. فعلى سبيل المثال، جاء في نتائج دراسة أجريت عام 2006 ونشرت تحت اسم “الموسيقى في الأحلام” (Music in dreams)، أن الموسيقيين يحلمون أغلب الوقت بالموسيقى، لكن اللافت في الأمر أنهم يحلمون بمعزوفات لم يسمعوا بها من قبل، وينجحون بكتابتها وتسجيلها بعد استيقاظهم؛ أي إنهم يؤلفون الموسيقى خلال الحلم.

ولا يحدث هذا مع الموسيقيين فقط، بل مع الشعراء أيضاً وأصحاب المواهب الأخرى. إلى جانب ذلك، بيّنت دراسة حديثة، نشرت عام 2014 تحت اسم “الحلم وحياتنا الواعية” (Dreaming and our waking lives) كتبها البروفيسور “ميشيل بروس” (Michael J. Breus)، بأن للأحلام دوراً بتطوير قدرة الإنسان على حل المشاكل المستعصية بالتوصل إلى حلول إبداعية؛ ففي التجربة التي أجريت في إطار الدراسة، وجد أن المشاركين الذين يغرقون في الأحلام في أثناء النوم استطاعوا تفسير وصياغات جمل مجازية إبداعية بطريقة ناجعة، وهنا قال الباحثون إن الأحلام تعتبر أرضية خصبة لتطوير عقلنا المستيقظ من الناحية الإبداعية. وبشكل أوسع، يمكن للأحلام أن تكون مؤشراً عاماً إلى ما يقلقنا وما يسبب المشاكل لنا، وما يرتبط بعواطفنا وأفكارنا، لذلك من الجيد أن نتفكر فيها عندما نستيقظ وقبل أن نسمح لها بالتلاشي؛ لأنها على ما يبدو تقول لنا الكثير عن أنفسنا وعن حياتنا، وهي أعمق من مجرد صور ومشاهد متقطعة أو متواصلة نتسلى بها خلال النوم.

Exit mobile version