أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة مكوك للفضاء وأطلاق برنامجًا للطاقة النووية، وأرسلت أحد مواطنيها إلى الفضاء، وتخطط الآن لإرسال مسبار فضائي إلى المريخ. نجحت كل من الولايات المتحدة الأميركية والهند ووكالة الفضاء الأوروبية والاتحاد السوفييتي سابقًا في إرسال بعثات إلى مدار الكوكب الأحمر، في حين تستعد الصين لإطلاق أول مركبة جوالة إلى المريخ في وقت لاحق من هذا الشهر.
تطمح دولة الإمارات المعروفة بناطحات سحابها وجزرها على شكل نخلة ومنشآتها السياحية الضخمة للانضمام إلى السباق الفضائي لتكون أولى دول العالم العربي، إذ تسعى لتخليد الذكرى الخمسين لاتحاد إماراتها بمسبار «الأمل» الذي سينطلق من دون طيار من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني في 17 يوليو ويُتوقع أن تصل المركبة إلى مدارها في فبراير القادم.
ورغم أن هدف المهمة هو تقديم صورة شاملة عن ديناميكيات الطقس في الغلاف الجوي للمريخ وتمهيد الطريق للأبحاث العلمية فيه، فالهدف الأساسي لتأسيس هذا المسبار أسمى بكثير وهو بناء أول مستوطنة بشرية على المريخ خلال المئة سنة القادمة.
وظَّفت دبي مجموعة من المهندسين المعماريين لوضع تصوُّر لشكل «مدينة المريخ» وإنشاء مدينة مماثلة لها في صحرائها تحت اسم «مدينة المريخ العلمية» بتكلفة بلغت نحو 500 مليون درهم إماراتي وهو ما يعادل 135 مليون دولار.
أصبح هزاع المنصوري أول رجل إماراتي يصل إلى الفضاء مع طاقم مكون من شخصين آخرين في سبتمبر الماضي في المركبة الفضائية سويوز التي انطلقت من كازاخستان، ليعود إلى الأرض بعد مهمة استمرت ثمانية أيام ليكون أول عربي يزور محطة الفضاء الدولية.
وقد غرَّد حاكم مدينة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يوم الثلاثاء: «نظر أجدادنا للنجوم في رحلاتهم البحرية لبناء أمجادهم… واليوم ينظر إليها أبناؤنا لبناء مستقبلهم».
مكانة عالمية:
تسعى هذه الدولة الخليجية الصغيرة التي يمتد نفوذها من اليمن إلى القرن الإفريقي وليبيا لأن تصبح لاعبًا إقليميًا رئيسيًا، بعد نجاحها في ترسيخ مكانتها بوصفها مركز جذب سياحي ومصرفي وخدمي رغم التدهور الاقتصادي الذي عانته في السنوات الأخيرة.
أصبحت الإمارات العربية المتحدة على مدى العقود القليلة الماضية وجهة للشباب العرب الطامح ببناء مستقبله المهني وتربية أطفاله في بيئة آمنة وسط منطقة تعاني الحروب والأزمات السياسية.
واستكشاف الفضاء بالنسبة لدولة الإمارات هو جزء من استراتيجية طويلة المدى تسعى لإيجاد دور اقتصادي وإنساني للإمارات يتجاوز دورها النفطي الذي كان له الفضل في نموها الاقتصادي.
قال المدير العام لوكالة الإمارات للفضاء محمد الأحبابي لوكالة فرانس برس: «اكتشفت دولة الإمارات أهمية الفضاء في تنميتها واستدامتها، إنه جسر عبورنا نحو المستقبل».
وقالت سارة الأميري التي تبلغ من العمر 33 عامًا وهي وزيرة الدولة للعلوم المتقدمة ونائبة مدير مشروع المهمة: «إن الرحلة إلى المريخ هي رسالة أمل للمنطقة ومثال لما قد يحصل إذا أخذنا مواهب الشباب واستخدمناها استخدامًا إيجابيًا»، وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس من طوكيو: «لقد عملنا على الاستثمار في قطاع الفضاء منذ أكثر من 15 عامًا، الأمر يتعلّق فعلًا بضمان تطوير هذه المواهب من أجل فائدة المنطقة كلها».
وكانت الإمارات قد أعلنت في الفترة التي سبقت بعثة المريخ فتح أبوابها للعرب من جميع أنحاء المنطقة للمشاركة في برنامجها الفضائي ومدته ثلاث سنوات. إذ قالت سارة الأميري: «يمكنهم القدوم واكتساب الخبرة وأن يكونوا وسيلة للتغيير في المنطقة بأسرها، الناس يريدون الاستقرار ويريدون الفرص».
حقائق عن مسبار «الأمل» الإماراتي:
من المقرر أن تبدأ رحلة مسبار الأمل في 17 يوليو في مهمة لاستكشاف ديناميكيات الطقس في الكوكب الأحمر، سينطلق مسبار الأمل -من دون طيار- من مركز الفضاء الياباني، ليكون ثاني إنجازات برنامج الفضاء الإماراتي الطموح.
هذه بعض الحقائق والأرقام عن مشروع الإمارات الذي يستمد إلهامه من العصر الذهبي للشرق الأوسط الذي قدّم العديد من الإنجازات العلمية والثقافية العظمى:
o تتألف دولة الإمارات من سبع إمارات من ضمنها العاصمة أبو ظبي، ولديها تسعة أقمار صناعية وتخطط لإطلاق ثمانية أقمار أخرى في السنوات القادمة.
o تطمح الإمارات لبناء مستوطنة بشرية على سطح المريخ بحلول عام 2117.
o تخطط في الوقت الحالي لبناء مدينة ذات قبة بيضاء «مدينة المريخ العلمية» في الصحراء المحيطة بمدينة دبي لمحاكاة الظروف المناخية على كوكب المريخ وتطوير التكنولوجيا اللازمة لاستعمار الكوكب.
o تتطلع الإمارات أيضًا إلى عمليات تعدين خارج الأرض، وتنظيم السياحة الفضائية إذ وقَّعت مذكرة تفاهم مع شركة «فيرجن جالاكتيك ريتشارد برانسون» للسياحة الفضائية.
رحلة مسبار الأمل:
من المقرر أن ينطلق المسبار البالغ وزنه 1350 كيلو غرام -بحجم يعادل تقريبًا سيارة دفع رباعي- من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني في 17 يوليو، وقد يُؤجَّل الإطلاق إلى بداية شهر أغسطس بحسب تغيرات الأحوال الجوية.
سيحتاج المسبار إلى سبعة أشهر للوصول إلى المريخ قاطعًا مسافة 493 مليون كيلومتر، ليصل في الذكرى الخمسين لاتحاد الإمارات في 2021. وسيستغرق عند دخوله مدار المريخ نحو 55 ساعة لإتمام دورة كاملة بمعدل سرعة 121 ألف كيلو متر في الساعة، وسيقتصر الاتصال بمركز القيادة والتحكم الإماراتي على مرتين أسبوعيًا بمدة تتراوح ما بين 6 و8 ساعات في المرة الواحدة.
ومن المقرر أن يبقى المسبار في مداره عامًا كاملًا وهو ما يعادل 687 يومًا أرضيًا.
الدراسة:
توفر ثلاث أدوات مُثبَّتة على المسبار صورة كاملة لغلاف المريخ الجوي خلال السنة المريخية. الأداة الأولى هي مطياف الأشعة تحت الحمراء لقياس الطبقات السفلى من الغلاف الجوي وتحليل درجات الحرارة، أما الثانية فهي جهاز تصوير عالي الدقة لتزويدنا بمعلومات عن مستويات الأوزون، والثالثة هي مطياف الأشعة فوق البنفسجية لقياس مستويات الأكسجين والهيدروجين من ارتفاع 43000 كيلومتر عن السطح.
وبحسب مسؤولين فإن فهم الأغلفة الجوية للكواكب الأخرى يوفر لنا فهمًا أفضل للغلاف الجوي الأرضي.
ستة عقود من البعثات الفضائية إلى المريخ:
أدى سباق الفضاء الذي استمر ستة عقود لاستكشاف المريخ إلى إرسال 40 مهمة، نجح نصفها في الوصول إلى هدفه. فيما يلي بعض المهمات إلى المريخ التي انطلقت في الستين سنة الماضية:
الإخفاقات السوفيتية 1960-1964:
أرسل الاتحاد السوفيتي عدة مسابير منذ 1960 بعد ثلاث سنوات من إطلاق القمر الصناعي «سبوتنيك 1» ومُني الاتحاد السوفيتي بسلسلة من المحاولات الفاشلة من ضمنها أول مسبارين «مارسنيك 1» و«مارسنيك 2» اللذين أُطلقا في أكتوبر 1960 وفشلا في الوصول إلى مدار الأرض.
ثم أُطلِق مسبار «زوند2» أواخر عام 1964 وكان أول مسبار يقترب من المريخ، لكنه لم ينجح بالاستمرار في مراقبة الكوكب.
المسبار «مارينر4» عام 1965:
دخل المسبار الأمريكي «مارينر4» التاريخ عندما تمكّن في 15 يوليو سنة 1965 من التحليق فوق الكوكب الأحمر والتقط 20 صورة لسطح المريخ القاحل بفوهاته الضخمة. والتقط المسباران «مارينر4» و«مارينر5» عشرات الصور أيضًا سنة 1969.
أول قمر صناعي 1971:
أصبح «مارينر9» في 9 نوفمبر عام 1971 أول قمر صناعي يدور حول المريخ، وقدَّم خريطة تصويرية مُفصَّلة لآثار البراكين والتعرية النهرية.
وهبطت بسلاسة في ديسمبر من العام نفسه أول مركبة فضائية على سطح المريخ هي «سوفيت مارس 3» لكنها توقفت عن الإرسال بعد عشرين ثانية من هبوطها.
اكتمال مهمتي المسبارين «فايكنغ 1» و«فايكنغ2» سنة 1976:
كانت الولايات المتحدة الأميركية أول دولة تنجح في إرسال مركبات تعمل إلى المريخ، إذ حطَّت أولى مركباتها الفضائية «فايكنغ 1» على المريخ في يوليو 1976 وأتمّت مهمّتها بنجاح. وتبعتها «فايكنغ 2» في سبتمبر. جمع المسباران نحو 50 ألف صورة أثبتت انعدام الحياة على المريخ.
«داتا درايف» 1997:
استُؤنِف إرسال البعثات إلى المريخ في تسعينيات القرن الماضي، وحققت هذه البعثات نتائج متفاوتة ففُقِدت سبعة مسابير، لكن وكالة ناسا سجلت نجاحين عام 1997، فهبط المسبار «باثفايندر» على المريخ في شهر يونيو ليُنزِل الروبوت الجوال «سوجورنر» على سطح الكوكب ثم دخل المسبار «مارس جلوبال سيرفيور» في سبتمبر من العام نفسه إلى مدار المريخ وكان قد أُطلِق قبل ذلك بعام. درس المسباران الغلاف الجوي للمريخ وقدما بيانات تفصيلية عن الكوكب واكتشفا وجود المعادن فيه.
مسبار «مارس إكسبرس» الأوروبي 2003:
أرسلت وكالة الفضاء الأوروبية في ديسمبر عام 2003 مسبار «إكسبرس» إلى المريخ ليدور حوله وما يزال قيد التشغيل حتى الآن. وبعد سنوات من اختفاء المسبار الصغير «بيغل 2» فور هبوطه عُثِر عليه على سطح المريخ في يناير سنة 2015.
«سبيريت» و«أبورتيونيتي» عام 2004:
حط الروبوتان الأمريكيان المتخصصان بالجيولوجيا «سبيريت» و «أوبورتيونيتي» على سطح المريخ في يناير عام 2004، في مهمتين ناجحتين اكتملتا في 2010 بالنسبة لسبيريت و2018 لأوبورتيونيتي. سجل «أوبيرتيونيتي» أطول مسافة مقطوعة خارج الأرض بلغت نحو 45 كيلو مترًا، جمع خلالها أكثر من 200 ألف صورة وكشف آثارًا للرطوبة في الغلاف الجوي.
«كيوريوسيتي»2012:
هبط الروبوت «كيوريوسيتي» الأميركي في أغسطس 2012 وهو الوحيد الذي ما زال في الخدمة حتى الآن على المريخ، وأظهر أن الكوكب كان مناسبًا للحياة المجهرية في السابق وهذا ما قد يجعله قابلًا للسكن. وفي مايو 2008 هبط مسبار أمريكي آخر اسمه «فينيكس» على المريخ للبحث عن تربة متجمدة على المريخ وتحقق من وجود مياه متجمدة.
المسبار الهندي الأرخص والأسرع 2014:
نجحت الهند في وضع مسبار على مدار المريخ في سبتمبر عام 2014، وكان هدفه قياس وجود الميثان على الكوكب الأحمر وقد أُنجِزَت المهمة بتكلفة منخفضة وزمن قياسي.
سنة 2020 وما بعدها:
تأجلت المهمة الروسية الأوروبية «إكسومارس» التي كان من المقرر إرسالها في مارس 2020 لإجراء أعمال حفر في سطح المريخ حتى 2022 بسبب الصعوبات التقنية وجائحة كورونا. لكن من المقرر إرسال ثلاث مهمات أخرى إلى المريخ في يوليو.
تطمح الإمارات العربية المتحدة أن تكون أولى الدول العربية التي ترسل مسبارًا إلى الفضاء، وتخطط الصين إرسال مسبار «تيانوين 1» بينما تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لمهمتها التالية «بيرسفيرنس».