الحزن يقسو علينا جميعًا.. لذا دعك من التحسر وامض قدمًا
أُجري الكثير من الأبحاث حول الحزن وحُدّد بدقة، لقد حاولنا تصور أنه يتكون من مراحل، بناءً على انسيابية الطريقة التي يدمرنا بها، وباستخدام معادلات لإيقاف العذاب الذي يسببه، ورغم جهودنا يبقى أمرًا محيرًا.
لماذا نعد الموت نوعًا من الخسارة والحسرة؟ عندما يموت شخص ما او نفقدة، نحن لا نفقده. الموت شيء أعظم بكثير من الفقد، إنه الانتباه إلى دورة الحياة التي تتضمن المشاعر القاسية دون وجود مجال للهرب منها. كيف يمكننا الظن أن عبارة: «أنا آسف لخسارتك» قد تكون كافية؟ … ولكن ماهو الحزن؟
الحزن هو أمر لا يمكن التنبؤ به، وما زلنا غير قادرين على التحضير له ولا التغلب عليه أو قمعه. تعلمنا أنماط الطقس، والقضاء على أمراض مهلكة وحماية أغلى ما نملك من المخاطر غير المحدودة، لكن عندما يتعلق الأمر بالحزن فإننا نتعرض باستمرار للانهزام والانكسار.
عندما يضرب الحزن فإنه لا يقود فقط إلى الفقدان، وإنما يصل بالشخص إلى القاع، وتتغير حياته إلى الأبد ويصبح في حاجة إلى أن يبدأ من جديد. يسلبنا الحزن دفئنا البريء النابع من معرفتنا لوجهتنا في الحياة، ويتركنا معرضين للخطر وضعفاء ومدمرين. الحزن قادر على خلق فراغ خال من الهواء حولنا يسلبنا القدرة على أخذ نفس عميق.
في محاولة التعافي من الحزن، نلاحظ عدم وجود طريقة لاستبدال عناصر أساسية في حياتنا لكنها غابت. لن نكون قادرين على العثور على هواية جديدة، أو السفر كما أردنا أو التواصل مع الأصدقاء القدامى، وسيلةً لإخفاء ألمنا وحجبه.
عندما يشكل شخص ما جزءًا من حياتك، ستوجد مكانة في حياتك لا يملأها غيره. تتألف حياتنا من أشكال مميزة تدور في فضائنا اليومي، وعندما يقضي الحزن على أحدها لن نعود أبدًا كما كنا. إذا خمدت الشمس غدًا سيجب على سكان الأرض التصرف من أجل البقاء، والحزن مشابه لهذا الأمر، إنه يجبرنا على إعادة تشكيل واقعنا.
يعمل العديد من الناس على إقناعنا أنه يمكن التغلب على الحزن. لكن عملية التعافي تؤكد على استمرار وجود الحزن، أي أننا لن نستيقظ يومًا ما وقد نسينا ما فقدناه من حياتنا. لكن الألم المرافق لهذه الذكرى يخمد، ويصبح أقل عند استرجاعها مع الوقت.
في النهاية سنجد مخرجًا آخر لنوجه كامل إخلاصنا وطاقتنا نحوه. إحدى أسوأ صفات الحزن أنه يجبرنا على تغيير اتجاه حبنا، وتغيير جزء جوهري من كياننا، في حين نكون غير مستعدين لحدوث ذلك أو متوقعين له، إن محبة شخص لم يعد قادرًا على الشعور بهذا الحب هو أمر فاجع.
عندما يصيبنا الحزن، يجب أن نعلم أنه لا توجد طريقة صحيحة للتعامل معه. قد تقود النوايا الحسنة أو الردود الآلية التي نستخدمها استجابةً للحزن مثل قول (أنا آسف على خسارتك)، الذي يساعد على خلق مسافة وتخفيف خوفنا حول حصول ذات الأمر لنا. إنها طريقة لفصل ما هو مهم بالنسبة لنا عن الفاجعة التي يمر بها الآخرون دون وعي. في الواقع، أي خسارة أو فقدان هي خسارة جماعية، لأنها تذكرنا بعمق بالهشاشة المحيطة بنا.
يجب علينا أن نتوقف عن استخدام عبارات العزاء التقليدية مع من مر بمأساة. توجد طرق أفضل للمساعدة في عملية تعافي الآخرين من الحزن، إضافةً إلى زيادة وعينا العاطفي. استخدام عبارات مثل (لا شيء يعود إلى سابق عهده) أو (قلبي يتألم من أجلك) ستقربنا من الآخرين وتقدم دعمًا عامًّا أفضل.
من المهم أن نسمح لأنفسنا وللآخرين بالشعور بالحزن، وأن نعترف بوجود الفجوة التي سببها الجرح، وأن نتذكر الماضي، وحزننا على النهايات التي لم نتوقعها، وأن نشعر بالألم الشديد على البدايات التي ندمنا على حدوثها، يجب علينا الاعتراف بها حتى نتمكن من اجتيازها.
المضي قدمًا بعيدًا عن الحزن لا يعني تلاشيه واختفاءه، فالحزن لا يختفي تمامًا، بل يتشكل ويتغير لكنه يبقى موجودًا ما دمنا على قيد الحياة. الاعتراف بهذا المرافق الدائم لحياتنا هو الخطوة الأولى نحو تعلم النجاة برفقته.
يُقاس قدر الحزن اعتمادًا على كمية الحب. ويمكن تعريفه بالضوء الذي يدفئنا ويحتوينا من الداخل، وقياسه بعمق ضحكة محرجة أو ثقة شعرنا بها، وتقييمه برقة وبراءة الحميمية والراحة. كما يرتبط الحزن بحجم الإخلاص الذي تكنه للشخص الذي فقدته و رحل. بدلًا من دفن الحزن، يجب علينا الاحتفاء بما يقدمه، فالحزن -رغم قسوته- يعبر عن الحب الذي لم يعد له مكان في حياتنا.