“سلامٌ عليكم، طِبتمْ فأدخلوها آمنين !
نعم .. لأهل السّلام خالدين يتذكرون .. كيف مضت السنون ؟
وكيف القرون يلّفها دُجي الداجيات ؟
وبين هذه وتلك علاماتٌ مضيئة وكواكب شديدةُ اللمعان أَنارت وعطرت الحياة فكانت ” الشهادة ” ! مقياس التعب الطويل والعمل الكبير .. وأنها لكلمة عطاءٌ لا ينفذ ونار لا تخبو، وإذا الشهيد حكمة الأيام وتراتيل الزمن، فصار العطاء لهُ ما لهُ وعليه ما عليه ولكن عطاء الأكرمين هو الذرى في عطاء الحياة ! وكيف والجودُ بالنفس أقصى غاية الجود ؟! وهل وجدت منزلة أسمى ومكانة ارفع من منزلة هذا الرائع البطل ؟!
وما أنتَ إلا أنْ تقول هذا الباسل الشجاع الذي يعفو عند المقدرة ويعطيك من أنفاسه وجروحه عطرا ومن عطوره أريجاً وأكاليل غار !!
ويعطيك ما في الحياة جرأةً وبسالة وغيرة وتضحية! ذلك هو الشهيد .. صورةٌ من الصور أزكاها وأنماها وأعذبها !
صورة الرائعين الناصعين بياضاً على تراب الوطن!
الكاتبين شهادة الزمن! فيا ليومك ما أعذبهُ!
يومُ الشهيد تحيةٌ وسلامُ بك والنضال تؤرخ الأعوامُ
رفع اللهُ سبحانه الدرجات، وقسّم الأملاك والأفلاك، ووَضع الشهيد في المكان : النور والحياة، غائباً وحاضراً وفي الزمان : الخلود والبقاء! تاريخاً مُزداناً يكتبُ شوق الأحباب للأرض مرة وللسماء أخرى، عالٍ أنتَ كالنخيل أيها الشهيد تطلُّ من سماء الأبدية! تتماوجُ أيامكَ، تزخرف آفاق المحيطات، زهوراً قانياً، وأنتَ من؟
أنتَ في ضمير الطيبين الخالدين .. أنتَ زرعت الجبهات وتعاليت في مكارم الأخلاقِ ، شعاعاً مُنيراً في ظلماتِ يعجز أهل الحصر والحساب، لا .. لا ما حسبناكم أمواتاً ولكن كما قال المقدّر الجليل سبحانه : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) نعم، ما نسينا الكرام على مرّ العصور! وكيف والله سبحانه کرّمهم؟ والنبيّ العظيم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) شرّفهم؟!
فامتلأت صدور الحافظين وكتابات الكاتبين صفحات وقصصاً وأخبار وأحاديث؟
وأجود الناس مَنْ جاد بنفسه في أعلى الملكوت يدخل الجنة أول الداخلين! وكلُّ قطرةٍ من دماهُ سُفكت ريحٌ طيّبة تعطّرُ الأفياء والساحاتِ والحقول والشمس والتراب والهواء والبحار والأعماق والبعيد والقريب .. فما أجلّ الشهادة! وهل تدري ما فضلها؟ وما للشهيد من علياء؟
أنّما هو فضل لا يشابهه فضل! ومكانة تسامت وتعالت!
وهل سمعتَ أَنّ أحداً مات أو قُتل يسّره ان يعود الى الحياة؟!
ثم يُقتل ويعود، ثم يقتل ويعود؟!
نعم .. انه الغائب الحاضر، انه يتمنى الرجوع الى الدنيا ليقتل، ليستشهد، وهكذا عشرات المرات وما ذلك إلا لأنه يرى من الكرامة وفضل الشهادة وعظمة التضحية والجزاء الأوفي من لدن الخالق الكريم! هذا الجمال جمال النفس والروح والكلمات ! وهكذا يمضي الكرام، عالین، خالدين، يتطهر بهم التراب، يمسحُ جباههم الندى ويتوّج رؤوسهم السحاب. هنيئاً للأكرمين جنات النعيم. سارية الحياة إذ ينساب الماء زلالاً في مجري الأتقياء الصالحين!
الدم القاتي ينساب بهياً تتلألأ زكيةً نجومه وكواكبه! تضيء لأهل الأرض.. إنّ التضحيات ينابيع الحياة! وإنّ الأكرمين ملء العين والقلب، وإنهم غياب ولكن حاضرون؟ وإنهم أموات ولكنهم أحياء يرزقون، وأنهم العيون والأفئدة، زهواً عالياً في كل مكان مجداً مجداً ..
أيها الطيبون الصابرون!
كراماً .. كراماً .. !