الصنارة والبطانية…و الفرق الشاسع بينهما
كلنا نعرف المثل الصيني الشهير «علمني الصيد ولا تعطني سمكة» لكن معظم المصريين لا يزالون يفضلون توجيه تبرعاتهم وزكاتهم لأعمال الخير المباشرة لأنها في اعتقادهم طريق الثواب الفوري لذلك نري ملايين البطاطين وكراتين الاكل والملابس توزع علي ملايين المهمشين الذين يعيشون تحت خط الفقر في مصر وخاصة في المواسم كرمضان والأعياد.
هذا النوع من المساعدات قد يوفر بعض السعادة للأسر الفقيرة ولكنها بالتأكيد مؤقتة ولا تكفل لهم الحياة الكريمة التي يحلمون بها وتجعلهم تابعين ومتكلين دائما علي الإعانات فإذا كانت كرتونة الاكل ستطعمهم شهرا فماذا عن بقية العام ومن يضمن لهم بطانية وملابس الشتاء القادم؟
لا اعرف بالضبط حجم الأموال التي يتم انفاقها علي كراتين الطعام والبطاطين في ظل ازدياد مساحة الفقر وتصاعد نسبة البطالة ولكني اعتقد انها مليارات كان من الممكن ان يتم تخصيص جزء كبير منها في تمكين الكثير من الاسر المهمشة من توفير مصادر دخل ثابت او حتي مؤقت لها فثقافة الكرتونة والإعانات لا تليق بشعب عريق كشعب مصر.
من المسلم به ان التبرع المباشر بنقود أو طعام أو ملابس مهم جدا لكن في حالات الطوارئ والكوارث كالأعاصير والفيضانات والزلازل والحروب وتكون الإعانات المباشرة مجرد حل مؤقت وخطوة أولي لرفع المعاناة وليست حل دائم فالإنسان لا يستطيع الاعتماد علي الآخرين في تدبير معيشته إلي ما لا نهاية.
ومن ناحية اخري فإن اهل الخير لن يستطيعوا تبني المحتاجين طوال حياتهم ولكن بإمكانهم تأهيلهم وتمكينهم اقتصاديا من خلال تدريبهم وتوفير مشروعات صغيرة وتحقيق نقلة نوعية في قدرات ومهارات الشباب المصري بصورة تجعلهم قادرينً علي تلبية متطلبات سوق العمل حتي يتمكنوا من الحصول علي فرص عمل توفر لهم دخلا ثابتا وتسهم في الوقت نفسه في زيادة الناتج المحلي للدولة وترفع عن كاهلها عبئا ثقيلا.
و في هذا الصدد وتماشيا مع هذا المنطق اسمحوا لي ان احكي لكم باختصار عن مبادرة مؤسسة ساويرس لخلق وتوفير 20 ألف فرصة عمل للشباب والمرأة المعيلة وذوي الاحتياجات الخاصة في القري الأكثر احتياجا بمحافظات الصعيد وهدفي من ذلك هو مناشدة كل رجال الاعمال الذين لديهم جمعيات مشابهة ان يكرروا التجربة فمطلوب توفير 6 ملايين فرصة عمل وليس 20 الفا ولن نستطيع تحقيق ذلك دون ان تتكاتف الجمعيات الاهلية الكبيرة بإمكانياتها البشرية والمادية لتحقيق هذا الهدف فمرة اخري لا يليق ان نترك هذا الوضع اللاإنساني ليتفاقم فمصر المستقبل تنتظر مننا ان نبدأ فورا…
فقد أعلنت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية عن «مسابقة مؤسسة ساويرس لخلق فرص عمل « وقد خصصت المؤسسة 40 مليون جنيه كميزانية تقديرية لخلق 20 ألف فرصة عمل للشباب والمرأة المعيلة وذوي الاحتياجات الخاصة بمحافظات الصعيد من خلال تمويل وتنفيذ مشروعات تنموية. تهدف المسابقة إلي إزكاء روح المنافسة بين جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الإسهام في توفير حلول مناسبة لمشكلة البطالة وتحقيق نقلة نوعية في قدرات ومهارات الشباب المصري بصورة تجعله قادراً علي تلبية متطلبات سوق العمل. وقد تقدمت لهذه المسابقة 300 جمعية أهلية فازت منهما 30 جمعية.
وتنوعت طبيعة المشروعات الفائزة ما بين مشروعات تدريب من أجل التوظيف والإقراض الصغير وترتكز علي أربعة مجالات رئيسية هي التنمية الريفية والزراعية التي كان لها النصيب الأكبر من المشروعات الفائزة وتشمل تقديم تدريبات علي إعادة تدوير المخلفات الزراعية كالتدريب علي صناعة الأعلاف والكومبوست من تدوير مخلفات ورق الموز والتدريب علي صناعة الأخشاب من تدوير مخلفات سيقان الموز وتوفير فرص عمل داخل مصنع ورق بردي بحيث يتم خلق فرص عمل ما قبل المصنع وداخل المصنع وما بعد خروج المنتج من المصنع. وتشمل المشروعات الفائزة ايضا مشروعات لفرز وتعبئة المحاصيل وتربية المواشي والدواجن وتصنيع منتجات الألبان وتقديم خدمات بيطرية ومشروعات في مجال الحرف اليدوية والتراثية وكذلك الأعمال الحرفية والمهنية مثل صيانة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وأعمال التشييد والبناء هذا بالإضافة إلي مشروعات في مجال الرعاية الصحية.
ان المؤسسة قد اختارت الصعيد كأولوية لتوفير فرص عمل نظرا لارتفاع معدل الفقر ليصل إلي نسبة 50% ولتواجد 90% من القري الأكثر فقرا بالصعيد. مرة اخري اناشد رجال الاعمال الاهتمام والتركيز علي تضافر جهودهم وتوجيه اهتمامهم وتبرعاتهم لخلق فرص عمل جديدة وتمكين اخواننا الذين سحقتهم الظروف الصعبة سواء الفقر او المرض او الجهل او كلها مجتمعة من كسب قوت يومهم والعيش بمستوي يليق بآدميتهم ويصون لهم كرامتهم.