سياحةسياحة و سفر
العالم السفلى فى كتاب البوابات
جاء فى كتاب البوابات نص يقول: “يقوم أرباب الدوات (العالم السفلى) بجر قارب هذا الاله العظيم (رع) بالحبال ويدفعون قارب الأرض وهو قارب النترو …. يلقى رع عليهم التحية ويقول : التحيات لكم أيها الأرباب الذين تحملون قارب الأرض وترفعون قارب الدوات … تقدس من فى قارب الأرض”
نلاحظ أن باطن الأرض وهو “الدوات” (العالم السفلى) يصور فى النصوص الدينية المصرية باعتباره مملكة “النترو” الذين توفوا حيث يعتبر “الدوات” هو المكان الذى تولد فيه “النترو” من جديد وهو فى الغالب المكان الذى تولد فيه النجوم .
كما ان رحلة “رع” فى “الدوات” (العالم السفلى) هى اعادة تكرار لقصة الخلق وهنا يمكننا أن نشهد نشأة “النترو” وأيضا نشأة النجوم .
فى ثلاثة من نصوص الأهرام هناك عبارات تخاطب روح ملك مصر المتوفى وتحثه على أن يذهب الى الركن الشرقى من السماء الى المكان الذى ولدت فيه “النترو” …… وهناك نص آخر يحث الملك على أن يذهب الى “الآخت” الى المكان الذى ولدت فيه “النترو”
والركن الشرقى من السماء هو نفسه “الآخت” (الأفق) الشرقى فى الفكر الدينى المصرى .
من هذه النصوص السابقة يمكن تحدد المكان الذى ولدت فيه “النترو” (الكيانات الالهية) و هو “الآخت” …….. ولكن ما هو “الآخت”؟
بالرغم من أن “الآخت” يقع فى الركن الشرقى من السماء وكأنه يشكل قطعة من السماء الا أنه فى الحقيقة يعتبر عالما قائما بذاته ويعمل كبوابة تعبر من خلالها الأرواح أثناء ارتحالها من الأرض الى “الدوات” (العالم السفلى) الى السماء الدنيا .
تبدو فكرة ولادة “النترو” فى هذا العالم البرزخى (ألا و هو الآخت) لأول وهلة متناقضة مع فكرة ولادة “النترو” فى السماء على هيئة نجوم أو ولادتهم من الأرض أو الدوات أو نون …… فهل هذا التناقض حقيقى؟
بالتأكيد لا يوجد تناقض إذا أعتبرنا “الآخت” (الأفق) هو النسخة الروحانية من الأرض ومن “الدوات” (العالم السفلى)
فكلمة “آخت” تعنى حرفيا (المكان الذى تتحول فيه الأرواح الى”آخ”) و “الآخ” هى الروح التى تشع نورا ولديها القدرة على تفعيل الارادة الالهية .
وبمجرد حدوث هذا التحول الى “آخ” يمكن للروح أن تصعد الى السماء .
يتضح ذلك من قصة الخلق التى تقول أن الاله الخالق و “النترو” (الكيانات الالهية) التى انبثقت منه قد ولدوا من جديد ولادة روحانية (أى تحولوا من أجساد الى أرواح نورانية) فى ذلك المكان .
لذلك نقرأ فى متون الأهرام أن الاله الخالق آتوم يعبر من “الآخت” قبل أن يصعد للسماء …. وتتحدث النصوص الدينية المصرية عن وجود نسختين من “الآخت” احداهما فى الركن الشرقى من السماء و الأخرى فى الركن الغربى منها .
ومن الحقائق الجديرة بالانتباه أن “رع” يتحتم عليه أن يمر عبر الاثنين أى يرتحل بين الأفقين “آختى” أثناء طوافه الأبدى بين العالم السفلى والعالم السماوى .
كما أن قارب رع الليلى يبدأ رحلته الليلية من مكان داخل الأفق الغربى يطلق عليه رصيف “الجزكن” وهو مكان أشبه برصيف الميناء الذى تنطلق منه السفن ….. أما قارب “رع” النهارى فيبدأ رحلته النهارية من الأرض التى فى الأفق الشرقى . فما هو سر وجود أرض فى “الآخت” والذى يفترض أنه جزء من العالم السماوى؟
ومن الأشياء التى تستحق الانتباه أيضا أن النصوص الدينية المصرية ذكرت أن تلال حورس وتلال ست تقع فى الركن الشرقى من السماء (و هو نفس المكان الذى يقع فيه الآخت الشرقى) ولكنها فى نفس الوقت أيضا ذكرت أن هذه التلال تنتمى الى “جب” (رب الأرض) .
فى متون الأهرام يقول “جب”: “ان تلالى هى تلال حورس و تلال ست”
لماذا تظهر تلال الأرض فى “الآخت” والذى يفترض أنه جزء من العالم السماوى؟
يرمز أوزيريس للأرض الأزلية ومع ذلك فقد صورته العديد من نصوص البعث فى متون الأهرام وهو يعانق ابنه حورس وأطلقت عليه لقب (“الآخت” الذى يولد فيه “رع” من جديد) .
معنى ذلك أن “الآخت” يمثل أوزيريس بعد أن بعث من جديد وتحول من جسد الى “آخ” وهو ما يؤكده أحد نصوص الأهرام التى تخاطب أوزيريس وتحثه على أن يصير “آخ” (روح نورانية/قدرة الهية) وتصفه بأنه هو (الآخت الذى ينبعث منه “رع”) .
وفى مواضع أخرى من متون الأهرام نقرأ أن أوزيريس هو الروح التى انبعثت من “الدوات” (العالم السفلى) ومن الأرض .
“ها هو أوزيريس يستيقظ …. ها هو أوزيريس يقف من جديد بعد أن كان راقدا بفضل “الآخ” (الروح النورانية) التى انبعثت من “الدوات” (العالم السفلى) …. ها هو أوزيريس الملك ينبعث من “جب” (رب الأرض)”
مما سبق يتضح أن أوزيريس حين يطلق عليه لقب “آخت” فهو بذلك يرمز لعالم الروح الذى نشأ من الأرض الأزلية ومن العالم السفلى .
هل يعنى ذلك أن “الآخت” كان فى الأصل عالما أرضيا ثم تحول الى عالم سماوى/روحى؟
“الآخت” هو عالم أشبه بالأرض ملئ بالقنوات المائية والأنهار والحقول الخضراء والزرع الذى ينبت فوق ضفافه .
وفى متون الأهرام كانت كلمة “آخت” تكتب باستخدام مخصص على شكل بيضاوى يعنى جزيرة وهو نفس الرمز الهيروغليفى الذى يستخدم للدلالة على الأرض بعد اضافة ثلاث نقاط أسفل الشكل البيضاوى . أى أن “الآخت” هو عالم نشأ من الأرض أو “الدوات” (العالم السفلى) أو بمعنى أدق هو عالم حى ولد من جديد من بقايا عالم قديم مات وانهدم
فالنصوص المصرية القديمة المرتبطة بالخلق تؤكد على سلسلة من المشاهد التى تصف عالم قديم مات وانهدم ثم أعيد خلقه من جديد حيث “نون” (المياه الأزلية + الأرض الأزلية) و الدوات” (العالم السفلى) يمثلان العالم القديم الذى يبدو ساكنا خاملا ولكنه فى نفس الوقت يحمل بداخله بذور حياة جديدة وحقول الايارو تمثل العالم الجديد الذى بدأ للتو فى العودة للحياة والذى أخذت أرضه الخصبة فى البروز من تحت مياه الفيضان
أما “الآخت” فيمثل الكون الجديد حيث تولد أبعاد الكون الجديدة من الأرض القديمة ومن مياه الفيضان ويتسع الكون حين يقوم “شو” (رب الهواء) برفع السماء ليتجلى فيها نور “رع” وصحبته من “النترو” .