“المرأة “المفترية”
الدكتورة غادة عبد الرحيم
المرأة مصنع الرجال.. الأم مدرسة، الست بمائة رجل، لعل من يقرأ كل هذه الأوصاف وغيرها، يصاب بصدمة حضارية من حجم التناقض بين ما نتشدق به من شعارات، وما يحدث على أرض الواقع.
الواقع ما بين عنصرية مقيتة وتمييز بلا حدود فى العمل والأجر، وحرمان من تولى المناصب القيادية داخل المؤسسات والهيئات الحكومية، وخير دليل على ذلك الضجة الخطيرة التى أثيرت بمجرد تولى إحدى النساء منصب القاضي، وكأنها ناقصة الأهلية، وعاجزة الرأى وليس فى مقدورها إبداء رأى سليم أو حكم عادل.
والواقع يشير إلى وجود سلسلة لا تنتهى من الانتهاكات فى حقوق المرأة، فبعيدًا عن التقارير الحقوقية العالمية التى وبكل أسف تصنف مصر على أنها فى صدارة الدول الأعلى انتهاكًا لحقوق المرأة.. تشير أساليب التعامل اليومى مع “هذا المخلوق” إلى أنها مواطن “درجة ثالثة” بصورة تعيدنا إلى الجاهلية الأولى.
ويكفى فى هذا الصدد متابعة عدد الجرائم المرتكبة فى حق المرأة، والتى تملأ دفاتر الأحوال بأقسام الشرطة وأروقة المحاكم، ما بين تحرش جنسى واغتصاب وضرب وإهانة للمرأة “بكل أشكالها”، ففى الشوارع تتعرض لأقذر أنواع المعاكسات وتشتم بأقذع الألفاظ.
وفى العمل يتم تجاهل حقها فى الترقيات، وتحرم من تقلد المناصب القيادية، وتحصل على أجر أقل من الرجل عملًا بالقاعدة التى لا نعرف لها أصلًا “ناقصة عقل ودين”.. وفى النهاية تتعرض للتحرش اللفظى حينًا والجنسى أحيانًا.
وداخل المنزل لا يخلو الملف من الانتهاكات المهينة، والتى تتنافى مع أقل حقوق البشر، فهى خادمة تغسل وتنظف وتطبخ، وتربى الأطفال بدون أجر وبعد كل هذا تتعرض لأقسى أنواع العنف الجسدى، إذا ما عجزت عن تلبية النزوات الزوجية آخر الليل.
وإذا ما ساءت أقدارها، وردت على مكالمة من زميل فى العمل أو أحد أقاربها، أو حتى شوهدت فى سيارة أحد زملائها بالعمل أراد إسعافها أو حتى إنقاذها من براثن زحام المواصلات، فإنها تقام لها المشانق والمحاكمات وربما تنتهى بتنفيذ حكم الإعدام ذبحًا فيها تحت مسمى رائع “رد الشرف”.
ويا ويلها ويا سواد ليلها، إذا كان قدرها الزواج بشخص سيئ، وانفصلت عنه بالطلاق الذى أحله الله عز وجل إن استحالت المعيشة بينهما، تجدها فريسة للشائعات، ومطمعًا لكل عين ذكورية وصيدًا مستباحًا لكل من تسول له نفسه العبث بخلق الله.
وفى جميع هذه الحالات تجدها هى المتهمة والمسئولة عن تلك الفواحش، فهى التى تفتح الباب لدخول الشيطان بجسدها الفتّان، أو هى التى استدرجت الرجل للرذيلة بملابسها المثيرة، وكأنها ليس من حقها بأية حال استقلال الشخصية وسلامة الجسد، فهى دائمًا مطمع لذوى النفوس الضعيفة.
وبكل أسف يستمد هؤلاء المنتهكون المتحرشون، تلك الرخصة من العادات البالية للمجتمع، ويحاولون تطويع النصوص الدينية المقدسة لشرعنة هذه الجرائم القذرة على طريقة “الشرع أحل ضرب المرأة” و”من باتت وزوجها غاضب عليها باءت بغضب من الله” أو المقولة التى تصل إلى حد: “لو أن السجود يجوز لغير الله لأمرت المرأة بالسجود لزوجها”.
وتعتمد كل هذه الأفكار البالية على أحاديث ملفقة وتفسير ضيق أعمى للنصوص المقدسة على عكس ما قصد منها تمامًا.
ويغفل هؤلاء الحقيقة الدامغة التى تؤكد أن تقدم المجتمعات وتحضرها ورقيها، إنما يقاس بأوضاع الرعاية والحقوق الممنوحة للمرأة، وليست هذه بدعة من عمل الشيطان، وإنما هى حقائق مشهودة فى جميع الدول المتقدمة التى تتخلى عن هذه الأفكار العقيمة، ولا تتوانى عن تمكين المرأة وهذه ليست هبة أو منة، وإنما حق أصيل لا يجب انتزاعه منها.
ولعل أولى خطوات إنصاف المرأة، الاعتراف بحقوقها الكاملة غير منقوصة، وعدم النظر إليها على أنها “فرز تاني”، ويتأتى ذلك بشكل عملى من خلال تأهيلها الجاد لتكون شريكًا فى مسيرة التنمية.. ولعل ما اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى من قرار تعيين عدد من النساء فى مجلس النواب، خطوة مهمة فى الاهتمام بالمرأة، ويجب أن تستتبعها خطوات جادة من الحكومة وجميع المسئولين بالدولة، فى سبيل تعويضها عما سلب منها من حقوق.. فلا تراجع ولا استسلام عن تمكينها فى جميع المناصب القيادية بالدولة مثل القضاء والوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية.. حينئذ فقط نستحق أن نوصف بالمجتمع الإنسانى.