وصفت متون التوابيت آتوم بأنه “فى وسط الفيضان داخل نون مع الساكنين أو الخاملين” ، و وصفته بأنه يأتى للوجود من داخل الفيضان و من داخل نون .
كما يوصف “شو” (رب الهواء) أيضا بأنه “وسط الفيضان داخل نون” … و يقال أن آتوم و شو قاما بخلق الأرباب اللانهائيين (الذين ليس لهم نهاية) وسط فيضان نون .
وفى متون التوابيت وغيرها من النصوص يبدو كل من الفيضان و “نون” (المياه الأزلية) و كأن كل منهما مرادف للآخر …. وفيضان بدء الخليقة هو صورة مرآه معكوسه من فيضان النهاية (نهاية العالم) حيث جاء فى كتاب الخروج الى النهار نص يقول فيه آتوم (الكامل/الكل) أنه بعد ملايين الملايين من السنين ستعود الأرض مرة أخرى الى فيضان “نون” (مياه الأزل) كما كانت فى البدء.
يظهر الفيضان فى كل أبعاد الكون كما عرفه قدماء المصريين بما فى ذلك الدوات (العالم السفلى) حيث يوصف هناك بأنه تيارات مائية يبحر فوقها قارب “رع” .
كما توصف كل من حقول الايارو (البوص) و حقول الحتب (الرضا/القرابين) بأنها مغمورة بمياه الفيضان ….. وفى متون الأهرام نقرأ أن هذا الفيضان هو الذى يحمل روح الملك المتوفى الى “الآخت” (الأفق) فى الركن الشرقى من السماء . وهو أيضا الفيضان الذى يخرج منه التل الأزلى الذى ولد منه النور فى بدء الخليقة .
يوصف “الآخت” (الأفق) فى الفكر الدينى المصرى بأنه مكان ملئ بالمياه ، وتحيط به الشواطئ والضفاف ، وفى أحد نصوص الأهرام يوصف شاطئ من شواطئ “الآخت” بأنه يحوى “فيضان ميحيت – و يريت” أى (الفيضان العظيم)
وفى متون التوابيت يقول “نبر- دجر” (رب حدود الكون) أن الفيضان هو واحد من أربع أفضل
الأشياء التى صنعها فى بوابة “الآخت” (الأفق) .
وأخيرا توصف صفحة السماء فى النصوص الدينية بأنها فى حالة فيضان …. فكلمة “بت” ، و “كبحو” ، و “نوت” ، كلها مرادفات لكلمة “ميحيت – ويريت” ومعناها (الفيضان العظيم) .
تذكر متون الأهرام أن الكيانات الالهية تحيا على هذا الفيضان العظيم .
وتقول متون التوابيت أن “آتوم” ( الكامل/الكل ) يذهب ليستريح أو ليجدد طاقته فى ذلك الفيضان .
فهل يمكن تتبع نشأة الفيضان من “نون” (المياه الأزلية) ثم انتقاله الى “الآخت” (الأفق) ثم الى ال “ميحيت – ويريت” (السماء)؟
بالفعل هناك العديد من الأدلة على ذلك حيث تتحدث متون الأهرام والنصوص المقتبسه عنها فى عصر الدولة الحديثه عن “ليل الفيضان العظيم الذى انبثق من العظيمة” …. (ونلاحظ هنا أن كلمة العظيمة “ويريت” وردت بصيغة المؤنث و لم يتم تفسيرها بأى صفة محددة و لا يوجد هنا أى تفسير للفيضان الذى يتحدث عنه النص) ، ولكن سياق النص بشكل عام يتحدث عن انتقال روح الملك المتوفى من جزيرة اللهيب الى “الآخت” (الأفق) وما وراء الأفق
كما أطلقت متون الأهرام على “رع” لقب (الفيضان العظيم الذى انبثق من العظيم) ، وهو لقب غير معتاد لاله الشمس ويشير الى أن هناك مفهوم أوسع لمنظومة الخلق .
والعظيم الذى جاء ذكره فى النص السابق ربما كان أوزيريس والذى يحمل فى كثير من المواضع لقب العظيم ، والذى يعتبر جسده مصدر الفيضان
وبرغم أن هذه الاشارات مبهمة الا انها تدل على أن الفيضان كان حدثا هاما فى أساطير الخلق المصرية وأن مياه ذلك الفيضان نبعت من جسد اله عظيم
النص رقم 79من متون التوابيت يتناول دور آتوم و شو فى عملية الخلق فيقول: أنه فى بدء الخليقة كانت “نون” (مياه الأزل) موجودة ولكن الفيضان العظيم “ميحيت – ويريت” لم يكن موجودا بعد . ثم خلق الفيضان العظيم ليستريح فوقه آتوم (أى أن آتوم صعد ليستريح فوق صفحة المحيط السماوى)
أما النص رقم 76 من متون التوابيت يذكر لحظة فارقه فى تاريخ نشأة الكون قام فيها “جب”
(رب الأرض) بجمع الفيضان العظيم “ميحيت – ويريت” من أجل أبيه آتوم (نفهم من هذا التعبير أن الفيضان قد رفع من الأرض للسماء)
هل “شو” (رب الهواء) هو من رفع الفيضان العظيم من الأرض للسماء؟
نصوص الأهرام تصف قيام “شو” برفع المياه . و لكن سياق النص غامض الى حد ما ويمكن أن يكون اشارة لفوران أو ارتفاع فى مياه الأنهار والبحار والينابيع .
أما متون التوابيت فهى الأكثر وضوحا برغم أنها لم تذكر بشكل مباشر أن “شو” قام برفع
الفيضان العظيم الا أنها ذكرت أن “با” (روح) “شو” كانت عند رأس الفيضان العظيم وأن وجه “شو” كان هو نفسه وجه الفيضان العظيم .
كل هذه التعبيرات هى اشارات لقيام “شو” برفع الفيضان العظيم ، بالاضافة الى ذلك هناك نص من نصوص التوابيت يتناول كيف ظهر “شو” بوصفه جد أو سلف الكيانات الالهية فى اطلالة بهية تحيط به الأنهار “ايترو” ولهيب الأنوار .
اذا كانت هذه الأنهار هى الأنهار السماوية (المجرات) كما يوحى سياق النص فان النص قد يكون وصفا للفيضان العظيم و لصعوده الى السماء …. وهناك نصوص أخرى تربط بين الفيضان العظيم وبين “الآخت”
جاء فىأحد نصوص التوابيت على لسان الملك المتوفى: “لقد سمعت صوت الفيضان عند البوابة الشرقية للسماء”
وفى نص آخر: ل”قد فتحت لى أبواب “الآخت” (الأفق) ، وفيضانى “ميحيت” هو الفيضان العظيم “ميحيت -ويريت””
تشير هذه النصوص الى أن الفيضان نبع من “الآخت” ليشكل ما يعرف ب “ميحيت – ويريت (فيضان السماء العظيم) .
تتأكد لنا هذه الفكرة أيضا حين نقرأ أسطورة “نحب – كاو” (الذى يصل الكاوات) والذى يقال عنه انه ابتلع الفيضان ثم انبعث من “الآخت” (الأفق) فأصبح هو ثعبان الأوروبوراس” فى السماء (أى الثعبان الذى يلتف فى شكل دائرى ويضع ذيله فى فمه)
كل هذه الأدلة تدعم فرضية أن الفيضان العظيم نشأ من كون سابق انتهى زمنه وتحولت بقاياه الى الأرض الأزلية والمياه الأزلية التى خلق منها الكون الحالى ، وبعد اعادة الحياة لبقايا الكون القديم انفصل الفيضان العظيم عن العالم الأرضى وأصبح هو المحيط السماوى (“ميحيت ويريت” / بت / كبحو / نون / نوت) وكل ذلك يدعم فرضية الخلق من الأرض أو الكون الذى تقف الأرض فى مركزه