(تهافت الحضارة) د. سامي محمود ابراهيم

رئيس قسم الفلسفة/ كلية الآداب جامعة الموصل/ العراق

تجتر نفس السنين وعلى اوتار الحنين تنشر همومنا عند باب الزمن . خلعنا الحقائق وانتعلنا الأوهام. نهضتنا مبنية للمجهول وأفكارنا ممنوعة من الصرف. نعيش حضارتنا المكسورة بضم جراحها، وها نحن في هواها نخالف الإعراب.
ننام فوق التراث ونلتحف الأحلام. تعطلت سفننا فوق صخور الواقع وصرنا تستجدي قوارب النجاة من الغرب الذي غابت شمسنا في افاقه البعيدة. رسبت همومنا في امتحان العقل، وقسمتنا لا تحتملها رياضيات الروح. سقطت قيمنا في قاع المحيط العالمي المظلم وصرنا لا نرى حتى النهار.
وليس يصح في الأذهان شيء
اذا احتاج النهار إلى دليل
خرجنا عن مسطور الكتاب العظيم ومدلوله الوجداني الرحيم، ذلك النص الذي يبلغ الأرواح ويخاطب العقول ويقرأ عبر صفحات القلوب…. يصطاد الحقيقة في الماء أو في الصحراء او في النظر إلى السماء ..
تلك هي الحقيقة الحسابية التي لا تقبل التعويض.
وحين اتت السبع العجاف على سنابل حقل الروح تسلل غول الجدب الضمير.
من موسيقى الاسئلة الموؤدة والأمل المصلوب تنتفظ الحقيقة . هكذا تبدو الإنسانية حين تفخر طينها نار الحروب. نشد وثاق الحروف ونبحث عن الحاء وعلى شاطيء الليل تبكي الألف حزن الضياع. فلابجديتنا المشتتة احاول ان ارسم لغة واحدة فتخونني الكلمات… اضرم الجمر باهداب الحروف ، اجمع ما تناثر بذات المشجب الذي فرقنا يوما ورحل. قصائدنا ما تزال مخضبة بالتمرد، تفرض الجزية على الكلمات، تردد اغاني الموت لتنتفي الحياة. فمنذ باديتنا الأولى ادمنا الرحيل لنترجم ما في الرمل من أحزان ، ونعقر للامنيات الشجون… نجفف احزاننا الماضية في شتاء دامع عند ساحل اللقاء.
فاستوقفنا الدهر طويلا ثم قال: حدثوني عن نشاتكم الأولى ، لكننا قبل أن نجيب ، شكا الدهر مرارة الانتظار.

Exit mobile version