تتجلى حكمة القدَر ولمساته في هذه السورة الباهرة، إذ تنطق قائلة: إن كان يوسف قد اطلع عليّ بالرؤيا، فإنه لا يراني كل أحد مثلما رآني يوسف! فليطمئنّ كلٌ منكم إلى حكمة قدره!
فعندما رأى يوسف الكواكب والشمس والقمر، لم يقل “رأيتها”، لكنه قال “رأيتهم”، فاطمأنّ عليه السلام إلى حكمة قدره، وأنه تعالى سوف يُسجد له أناسا شاخصين على الحقيقة!
وتلوح حكمة القدر التي تحوط يوسف بلمساتها الحانية، في اتجاه القافلة التي وجدت يوسف، إلى مصر، وليس إلى بلد آخر، وفي حاجة عزيز مصر إلى الولد. فكأنّ القدر يقول لنا: إنّ الحوادث التي تبدو عادية، قد تكون حوادث لها ما بعدها، إن أراد القدر، لأن ذلك الاتجاه العاديّ، وتلك الحاجة العاديّة، كانا بداية التمكين ليوسف في الأرض!
ثم تتجلى يد القدر القاهرة في تكرار رؤيا الملك، حيث قال “أرى”، ولم يقل “رأيت” كيوسف في مطلع السورة، حتى يلحّ عليه طلب تفسيرها.
وكيف كان سيعلم الملك تلك المزايا التي يتحلى بها يوسف لو لم ير هذه الرؤيا؟ وكيف كان سيعلم الملك حقيقة يوسف، لولا دخول الفتيين السجن مع يوسف؟ كما تظهر حكمة القدر في نسيان الفتى لقضية يوسف، وعدم إخباره بها، حتى يرى الملك رؤيته، فيتذكر الفتى ما يتحلى به يوسف من تعبير الرؤى، فيخبر الملك بأمره.
كما تظهر حكمة القدر في أنّ المنح التي نالها يوسف بعد “السجن”، كانت أكبر مما ناله بعد “قصر العزيز”، وفي إصابة الجدب بلد يعقوب وبنيه، حتى يذهبوا طالبين الميرة من مصر، ليقابلوا يوسف.
فحكمة القدر تتجلى في هذه السورة في أجمل صورة، وتعلّمنا أنها غالبة، وأن الخط الذي يرسمه القدر، يفوق دائما فكر البشر.