رمسيس الثانى

رمسيس الثانى

ازدهر حكم رمسيس الثاني في القرن 13 قبل الميلاد، وهو الملك الثالث من حكام الأسرة 19 (1292-1190 ق.م) في مصر القديمة، ويُعَد حكمه (1297-1213 ق.م) ثاني أطول فترة حكم في التاريخ المصري.

حياته وسنوات حكمه الأولى:

صعدت أسرة رمسيس الثاني -ذات الأصول غير الملكية- إلى الحكم بعد عدة عقود من عهد المصلح الديني أخناتون (أمنحوتب الرابع 1353-1336 ق.م)، وبدأت استعادة النفوذ المصري في آسيا الذي تراجع في عهد (أخناتون) وخليفته (توت عنخ آمون).

أخضع والد رمسيس (سيتي الأول) العديد من الأمراء المتمردين في فلسطين وجنوب سوريا، وشن حربًا على الحيثيين في الأناضول لاسترداد المناطق التي سلبها الحيثيون منهم في الشمال في أثناء الاضطرابات الأخيرة. حقق سيتي نصرًا ضد الحيثيين في البداية، لكنه كان نصرًا مؤقتًا، لأن العدو في نهاية حكم سيتي أحكم سيطرته على (قادش)، وهي قلعة قوية يحميها نهر العاصي، أصبحت مفتاح الوصول إلى حدودهم الجنوبية.

منح (سيتي الأول) في أثناء حكمه ولي عهده (رمسيس) رتبةً مميزةً بوصفه حاكمًا وصيًا، ومنحه مسكنًا ملكيًا وجواري. ورافق الأمير الشاب والده في الحملات العسكرية، ما أكسبه الكثير من الخبرة في الحكم والحرب عند توليه العرش.

عُيّن رمسيس وليًا للعهد في سن صغيرة جدًا لضمان اعتلائه العرش، وأُعطي رتبة قائد في الجيش في عمر العاشرة، وهي رتبة شرفية غالبًا نظرًا إلى صغر سنه، لكنه بالتأكيد بدأ تلقي التدريبات العسكرية مبكرًا.

بنى رمسيس لنفسه مدينةً كبيرةً على ضفاف النيل في الدلتا-حيث مسكن عائلته- أسماها (بي-رعمسيس) وتعني (بيت رمسيس)، كي يحظى بقاعدة استراتيجية للحملات العسكرية. واشتهرت المدينة بتصميمها الخلاب من حدائق وبساتين ومياه جارية.

واشتملت على 4 أحياء، لكل حي إلهه الخاص، فللإله (آمون) الحي الغربي ولـ(ست) الحي الجنوبي، ولإلهة الكوبرا الملكية (واجيت) الحي الشمالي، أما الحي الشرقي فكان -للمفاجأة- خاصًا بالإلهة السورية (عشتار)، إذ كان للآلهة الأسيوية شعبية خاصة في مصر، وكان رمسيس نفسه يميل إليهم.

كان أول ما فعله رمسيس بعد توليه الحكم منفردًا هو زيارة (طيبة) العاصمة الجنوبية لمصر، لحضور مهرجان (أوبت) الديني الكبير، حيث يقوم آمون إله الكرنك بزيارة رسمية لمعبد الأقصر في مركبته الاحتفالية. وفي عودته إلى مدينته في الشمال، مر رمسيس بـ(أبيدوس) معبد الإله (أوزيريس)، وأمر بإتمام بناء المعبد الكبير الذي بدأ والده بناءه وتوقف البناء عند موته. واستغل الفرصة أيضًا ليعين رجلًا يُدعى (نب وننف) كاهن آمون الأكبر في طيبة، كبير كهنة (أنهور) في (تنيس) القريبة.

حملاته العسكرية:

اعتمدت سمعة رمسيس الثاني بوصفه ملكًا عظيمًا في نظر رعاياه على كونه قائدًا عسكريًا، إلى جانب عمليات البناء الواسعة التي قادها ومدينته الشهيرة. ففي السنة الرابعة من حكمه، قاد جيشًا نحو الشمال لاستعادة المناطق التي خسرها والده والتي لم يتمكن من السيطرة عليها بالكامل. فكانت أول حملة لإخضاع الحكام المتمردين في جنوب سوريا، ولضمان نقطة انطلاق آمنة للحملات الأخرى، وتوقف عند (نهر الكلب) بالقرب من بيروت حيث أمر برسم نقوش تسجل أحداث الحملة، لم يبق من هذه النقوش اليوم سوى اسمه والتاريخ.

وفي السنة التالية، انطلقت الحملة الرئيسية التي استهدفت معقل الحيثيين في قادش، وسار الجيش على الطريق الساحلي عبر فلسطين ولبنان، وتوقف عند وصوله جنوب (أرض آمور) – بالقرب من طرابلس- وعيّن رمسيس قوةً خاصة لتدافع عن ميناء سومر وتتجه بعد ذلك إلى وادي النهر الكبير لتنضم إلى الجيش الرئيسي في قادش، ثم استأنف الجيش الرئيسي زحفه إلى نهر العاصي. كان الجيش منظمًا في أربعة فيالق ضمت المركبات العسكرية والمشاة، كل فيلق مكون من نحو 5 آلاف جندي.

وعند عبور النهر من الشرق إلى الغرب عند مصب (شابتونا)، على بعد 13 كيلومترًا من قادش، عبر جيش رمسيس غابةً ليجد نفسه في العراء في مواجهة إحدى المدن، لأن جاسوسين حيثيين -كان رمسيس قد أسرهما سابقًا- زودا جيشه بمعلومات خاطئة، إذ أخبراه أن جيش الحيثيين قد تقهقر إلى حلب بعيدًا في الشمال، ليظن الملك أنه سيواجه حامية قادش فقط. ولم يعرف رمسيس أن الجيش الرئيسي للعدو كان مختبئًا وراء المدينة إلا بعد أن بدأ بمهاجمة معسكراته.

أرسل رمسيس رسله فورًا في طلب بقية جيشه. وهجم الحيثيون بقوة من 2500 عربة، كل عربة تحمل 3 جنود، مقابل جنديين في العربة عند الجيش المصري. هُزم الفيلق المصري الرئيسي وتشتت بسبب الهجوم المباغت عليهم، تاركًا رمسيس مع قوة صغيرة من حرسه الملكي يقاومون بيأس وقد حاصرهم العدو. انضم إلى المعركة -لحسن حظ الملك- حامية سومر لتنقذ الموقف.

كانت نتيجة المعركة فوزًا تكتيكيًا للمصريين إذ ظلوا سادة الميدان، لكنهم تعرضوا لخسارة استراتيجية لفشلهم في السيطرة على قادش. وفي اليوم التالي، كان كلا الجيشين منهكًا ولم يستطيعا الاستمرار في المعركة، فاتفقا على هدنة عاد الجيش المصري على إثرها إلى دياره.

معركة قادش هي إحدى المعارك القليلة في التاريخ الفرعوني التي دُونت تفاصيلها الحقيقية، وذلك لافتخار الملك بصموده في مواجهة الصعوبات الكبيرة. وقد نُقشت صور ومعلومات عن الحملة في سجل رسمي، وفي قصيدة طويلة على جدران المعابد في مصر والنوبة، وكُتبت القصيدة أيضًا على ورق البردي.

أثّر فشل المصريين في الاستيلاء على قادش في سمعتهم في الخارج، وتمردت عليهم بعض الولايات الصغيرة التابعة لهم في جنوب سوريا وشمال فلسطين. فكان علي رمسيس الثاني تعزيز سيطرته في آسيا قبل مواجه الحيثيين مجددًا. وفي السنة الثامنة أو التاسعة من حكمه سيطر على عدد من البلدات في الجليل وآمور. ووصل بجيشه إلى ضفاف نهر الكلب للمرة الثانية في العام التالي، ومن المرجح أنه استطاع -في السنة العاشرة من حكمه- اختراق دفاعات الحيثيين والسيطرة على (كاتنا) و(تونيب)، واضطر إلى خوض المعركة دون درعه بسبب هجوم الحيثيين المفاجئ.

سيطر رمسيس الثاني على (تونيب) فترةً سمحت له بتشييد تمثال ضخم لنفسه بوصفه سيد المدينة الأعظم، كما احتل (كودي) الواقعة بين الإسكندرونة وكركميش في موقعة أخرى.

واكتشف -كوالده من قبله- صعوبة فرض سيطرته الدائمة على المناطق البعيدة عن عاصمته في ظل الضغط الحيثي المستمر، فتوصل الطرفان -المتعادلان في القوة- بعد 16 عامًا من المعارك المتفرقة إلى اتفاق سلام سنة 1258 قبل الميلاد.

جمعت الدولتان فور انتهاء الحرب علاقات ودية، وتبودلت الرسائل الدبلوماسية بينهما بانتظام. وسنة 1245 ق.م تزوج رمسيس ابنة ملك الحيثيين الكبرى، وربما تزوج أميرة حيثية أخرى لاحقًا.

إضافةً إلى حروبه ضد الحيثيين، خاض الملك حملات عقابية ضد (إيدوم وموآب ونجيب)، وحرب أخرى أكثر جديةً ضد الليبيين الذين كانوا يحاولون طوال الوقت احتلال الدلتا والاستقرار فيها. ومن المُحتمَل أن رمسيس شارك في الحرب ضد الليبيين، لكنه لم يشارك في الحملات الصغيرة. ويبدو أن الفترة الأخيرة من حكمه كانت خاليةً من الحروب.

الازدهار في عهد رمسيس الثاني:

كانت كثرة بناء المعابد دليلًا على ازدهار حكم الملوك عند المصريين القدماء، ولهذا فإن حكم رمسيس الثاني كان الأبرز في تاريخ مصر، إذ استمر في الحكم فترةً طويلة، وكان بناء المعابد -إضافةً إلى تاريخه العسكري- ما جعل علماء المصريات في القرن التاسع عشر يطلقون عليه اسم رمسيس الأكبر، وهكذا كان رعاياه والأجيال اللاحقة لهم ينظرون إليه، فقد كان في نظرهم الملك الأفضل بلا منازع. وقد سُميَ تسعة من ملوك الأسرة العشرين (1190-1075) باسمه. حتى في فترة الاضمحلال التي تلت حكمه كان من الشرف الانتساب إليه، وكان رعاياه ينادونه باسم التحبب المختصر (سيسي).

في مصر، أتمّ رمسيس الثاني بناء (بهو الأعمدة العظيم) في الكرنك، والمعبد الذي أنشأه والده (سيتي الأول) في (أبيدوس) وقد مات الأب قبل إتمام البناء. أكمل رمسيس أيضًا بناء المعبد الجنائزي الخاص بوالده على الضفة الغربية للنيل في الأقصر، وبنى لنفسه في أبيدوس معبدًا عُرف باسم (الرامسيوم) أو (معبد رمسيس الثاني)، ومعبدًا آخر بالقرب من معبد والده، إضافةً إلى المعابد الرئيسية الأربعة في مدينته، والأضرحة الصغرى.

وأنشأ في النوبة 6 معابد على الأقل، اثنان منهما منحوتان في سفح أبو سمبل مع 4 تماثيل كبرى للملك هي الأروع والأشهر. وقد بدأ بناء أكبر المعبدين في عهد (سيتي الأول) ولكن أغلب العمل أُنجز في عهد رمسيس، أما الآخر فقد بُني بالكامل في عهده. ويُعَد أبرز أعماله -إضافةً إلى (بي-رعمسيس) – هو حفر بئر على الطريق المؤدية إلى مناجم الذهب النوبية في الصحراء الشرقية.

لا نعرف الكثير عن حياة رمسيس الخاصة، لكن (نفرتاري) كانت زوجته الأولى والأقرب إلى قلبه، إذ خصص لها المعبد الأصغر في أبو سمبل. ويبدو أنها توفيت في الفترة الأولى من حكمه، وقبرها معروف في وادي الملكات في طيبة. توجد ملكات أخريات أسماؤهن محفوظة مثل (إست نفرت) التي أنجبت للملك 4 أبناء منهم خليفته (مرنبتاح)، والملكة (مريت آمون)، والأميرة الحيثية (ماعت نفرو رع). كان للملك أيضًا -إضافةً إلى زوجاته الرسميات- عدد كبير من المحظيات، وكان فخورًا بعائلته الكبيرة، وتجاوز عدد أبنائه المئة.

أفضل تماثيل رمسيس الثاني هو تمثال له في شبابه في المتحف المصري في مدينة تورينو الإيطالية. أما مومياؤه -المحفوظة في المتحف المصري في القاهرة- فتظهره رجلًا متقدمًا في العمر بوجه طويل رفيع وأنف بارز وفك عريض.

كان حكم رمسيس الثاني آخر فترات ازدهار القوة الإمبراطورية المصرية، وأصبحت مصر بعد وفاته في حالة ضعف، لكن بقيت فلسطين والمناطق المجاورة لها تحت السيطرة المصرية حتى الفترة الأخيرة من حكم الأسرة العشرين، عندما أنهت هجرة (شعوب البحر) المحاربة الى بلاد الشام سيطرة مصر خارج حدوها. وإن كان سبب شعبيته يرجع جزئيًا إلى حرصه على الدعاية لنفسه، إذ روج اسمه وقصص معاركه في كل مكان في مصر والنوبة.

Exit mobile version