«زوجي يهجرني ليرغمني على الخلع والتنازل عن حقوقي كافة»، هذه هي الدعوى القضائية التي تنظرها محكمة الأسرة في مصر الآن، والتي تزامنت مع فتوى جريئة لمفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة، قال فيها إن هذه الوسيلة في الضغط على الزوجة لإجبارها على الخلع مرفوضة شرعاً، خاصةً أن الزوج يستغل فيها حياء الزوجة الذي قد يمنعها من الشكوى، ويضطرها بالفعل الى الخلع والتنازل عن حقوقها كافة… إنها قضية مثيرة لا بد أن نتوقف عند آراء علماء الدين حولها.
لم تجد الزوجة المهندسة الشابة «لمياء» حلاً أمامها سوى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة، تطلب فيها الطلاق للضرر، مع ضمان كل حقوقها الشرعية من النفقة ومؤخر الصداق وقائمة المنقولات، وغيرها من الحقوق التي كفلها لها الشرع.
وأوضحت الزوجة أنها اكتشفت أن زوجها الذي تزوجته بعد قصة حب طويلة أصبح سيئ الطباع بعد الزواج، وصدمت به خاصة بعدما بدأ يمارس عليها وسائل ضغط غير أخلاقية لإجبارها على الخلع والتنازل عن كل حقوقها المالية والشرعية، والاستيلاء على المنقولات المكتوبة في «قائمة المنقولات»، حيث لجأ إلى هجرها في الفراش لشهور طويلة متواصلة.
أنهت الزوجة دعواها، مؤكدة أن الحياء يمنعها من التحدّث في هذه القضية الشائكة، كما يصعب إثباتها رغم أن علاقة الزوجة بزوجها أحد المقاصد الرئيسية للزواج، حتى يعفها وتعفه عن الحرام، فماذا تفعل الزوجة إذا أراد زوجها إكراهها وإجبارها على الخلع من طريق الهجر في الفراش، والذي يصعب إثباته أو الحديث عنه بسبب الحياء من نظرة المجتمع إليها.
فتوى جريئة
تزامنت الدعوى القضائية السابقة مع فتوى جريئة للدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، يقول فيها، هجر الزوج لزوجته في الفراش هو الوسيلة الشرعية الثانية لتأديبها، إذا نشزت عن زوجها ورفضت طاعته، لقول الله تعالى: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (آية 34) سورة «النساء».
ويشير الدكتور علي جمعة إلى أن التمادي في الهجر- وهو وسيلة الإصلاح الثانية – لا ينبغي الانتقال إليه إلا بعد اليأس من وسيلة الإصلاح الأولى، وهي «الوعظ والنصح بالحسنى والرفق»، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير».
ويطالب الدكتور علي جمعة الأزواج بأن يتقوا الله في زوجاتهم، وألا يكونوا من الأفظاظ قساة القلوب، وليتأملوا قول الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 59) سورة «آل عمران».
ويحذر الدكتور علي جمعة الزوج من إكراه أو إجبار زوجته على الخلع من طريق التمادي في الهجر ظلماً حتى تتنازل له عن كل حقوقها، مستغلاً حياءها في نشر شكواها من هجره لها، مؤكداً أن هذا تفكير شيطاني يحاول استغلال أحكام الشرع لتنفيذ أهداف شيطانية، ولهذا يجب أن تستعين الزوجة بذوي التأثير فيه لرده عن ظلمه، تنفيذاً لقول الله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً. وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً. وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً» (الآيات 128-130) سورة «النساء».
وينهي الدكتور علي جمعة فتواه، مؤكداً أن من حق الزوجة التي يهجرها زوجها ظلماً أن ترفع أمرها إلى القضاء إذا فشلت مساعي إصلاحه، لأنه بالهجر غير المبرر أو المبالغ فيه يكون هو الزوج الناشز الذي يخالف تعاليم الإسلام، ومن حق القاضي معاقبته بما يراه مناسباً، لمخالفته قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان، أي أسيرات عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن، فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرِّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً».
ضوابط شرعية
تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد – جامعة الأزهر، أن الله تعالى وصف علاقة الزوجين بأنها لباس لبعضهما بعضاً، حيث يستر كل منهما الآخر مادياً ومعنوياً، ويعفه عن الحرام، فقال الله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» (آية )187 سورة «البقرة».
وتشير الدكتورة عبلة إلى أن المودة والرحمة والقوامة تجعل الزوج مسؤولاً عن البيت، وعليه أن يحميه مما يعكر صفوه، من خلال الموعظة ثم الهجر ثم الضرب غير المبرح إذا كانت الزوجة ناشزاً، فهذه هي الوسائل الشرعية الثلاث المباحة للتأديب، شرط أن يغلب عليها الرفق والرأفة، وليس القسوة التي يجب على القاضي التصدي لها بما خوّله إياه الشرع من سلطة ردع للزوج الذي يظلم زوجته مادياً أو معنوياً.
وعن المدة المسموح بها شرعاً للهجر، تقول الدكتورة عبلة: «لا يوجد نص شرعي يحدد مدة الهجر، وكذلك ليس له حد أقصى، بل إن الشرع ترك مدته لتقدر بقدرها، وهذا أمر يختلف من زوجة الى أخرى، لأن بعض الزوجات قد يؤثر فيهن الهجر بعد أيام قليلة، وهناك أخريات قد لا يؤثر فيهن الهجر ولو امتد شهوراً وسنوات، وبالتالي فإن «لكل مقام مقال».
وتنصح الدكتورة عبلة بألا تزيد مدة الهجر أكثر من اللازم، وإلا فإنها ستأتي بنتيجة عكسية وتكون محرّمة شرعاً، خاصة أن بين الفقهاء من اجتهد وحدد المدة القصوى للهجر بأربعة أشهر، حتى يكون وسيلة مباحة شرعاً للإصلاح. أما إذا تجاوزت هذه المدة فتتحول إلى نوع من الضرر المحرم بالزوجة، وتزداد هذه الحرمة إذا كان الهدف الحقيقي للزوج من الهجر هو إجبار زوجته على طلب الخلع والتنازل عن حقوقها كافة.
وعن الحل الشرعي إذا لم تفلح الوسائل الشرعية الثلاث «الوعظ والهجر والضرب» في علاج نشوز الزوجة، تضيف الدكتورة عبلة الكحلاوي: «الحل الأخير يكون بأن يختار الزوج حكَماً من أهله وتختار الزوجة حكَماً من أهلها، ليتعرفا على تفاصيل المشكلة ويحكما فيها بالعدل والحياد، لقول الله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (آية 35) سورة «النساء».
وتنهي الدكتورة عبلة كلامها، مؤكدة أن من حق الزوجة المهجورة ظلماً أن ترفع أمرها أو شكواها إلى القاضي، الذي عليه أن يستمع إليها وينصفها ويطلّقها، ويعاقب الزوج إذا رأى أنه جانٍ، لأن هذه وظيفته الشرعية، حيث قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء».
زوج آثم
اما الدكتورة أماني عبدالقادر، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، فتؤكد أن الله جعل للزواج المستقر الهادئ صفات محمودة يجب أن يحرص كل من الزوجين عليها، وقد حددها القرآن في قول الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
وتوضح الدكتورة أماني، أن إعفاف كل من الزوجين للآخر أحد الأهداف الرئيسية للزواج من طريق العلاقة الزوجية، ولهذا جعل الله «الهجر» في الفراش وسيلة تأديب للزوجة في حال نشوزها، لأنه يؤلمها نفسياً، وقد أمر الله بإنهاء الهجر فور إصلاح حال الزوجة وشعورها بالذنب تجاه زوجها، الذي عليه أن يعلم ذم الإسلام للخصام والهجر بوجه عام، حيث قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام». وأكد الفقهاء أن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر يعد إضراراً بها، فإن لم يرجع إليها فإنه يؤمر بالطلاق، فإن رفض قام القاضي بالتطليق أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
وتشير الدكتورة أماني إلى أن تمادي الزوج في الهجر، وسعيه إلى جعلها تطلب الخلع حرام شرعاً، لأن فيه ظلماً لشريكة الحياة، ولهذا جاء في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». أما قبل عقاب الآخرة فمن حق القاضي الذي ترفع إليه الزوجة شكواها من سعي الزوج لإجبارها على الخلع بالهجر غير المبرر، أن يعامله بعكس مقصوده، ويحفظ لها كل حقوقها ويطلقها منه، بل ويعاقبه إذا رأى ذلك لردعه عن ظلمه.
سلاح ذو حدين
يؤكد الدكتور عبدالرحمن العدوي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن هجر الزوجة في الفراش سلاح ذو حدين، فهو يؤتي ثماره المرجوة إذا تم استخدامه بحكمة لفترة محدودة، وإنهاء الهجر بمجرد تحقق المراد منه، وتشوق كل من الزوجين الى الآخر بعد هذه الفترة من الهجر المؤلم لهما وتحقق المراد، وهو إصلاح حال الزوجة، وقد يأتي بنتيجة سلبية بزيادة الجفاء بين الزوجين، إذا تحول الهجر إلى وسيلة للانتقام والضرر المتعمد بالزوجة، خاصةً إذا كانت للزوج زوجة أخرى تغنيه عن الزوجة المهجورة.
ويشير الدكتور العدوي إلى أن الإسلام يريد إصلاح ذات البين بالحسنى ويرفض الإضرار بالآخر، أياً كان، فما بالنا بالزوجة التي أوصانا بها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، حين قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ويؤكد في حديث آخر رفضه للإضرار بالآخر، فيقول: «لا ضرر ولا ضرار»، ولهذا من حق القاضي الذي فحص تظلّم الزوجة التي يتمادى زوجها في هجره حتى يجبرها على الخلع، أن يعاقبه بما يتلاءم مع جريمته المخالفة للشرع والعرف والأخلاق الإنسانية، التي تحفظ للزوجة كرامتها وعفّتها.
ويوضح الدكتور العدوي، أن الزوج الذي يتعمد التمادي في الهجر ظلماً لإجبار زوجته على الخلع وترك حقوقها لديه، هو من الظالمين الذين يلعنهم الله في الدنيا والآخرة، فضلاً عن أنه ممن يأكلون أموال وحقوق غيرهم بالباطل، ويزعمون أن الشرع سمح لهم بذلك من خلال الهجر المفرط للزوجة ظلماً، فالإسلام بريء من هؤلاء الأزواج الذين يصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ على اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ على الظَّالِمِينَ» (آية )18 سورة «هود».
الوسيلة الأولى
تهاجم الدكتورة نجلاء أمين، عميدة كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، الزوج القاسي الذي فقد مشاعر المودة والرحمة بزوجته، وتحول إلى جلاد يحاول استغلال تعاليم الشرع لتحقيق مآربه الخبيثة في إجبار زوجته على الخلع من طريق الهجر غير المبرر، لأن هذا يتنافى مع آداب الهجر في الفراش كوسيلة من وسائل إصلاح الزوجة وتأديبها.
وتتعجب الدكتورة نجلاء من الزوج الذي يبدأ تأديب وإصلاح زوجته الناشز بالهجر، ويتناسى أو يتجاهل الوسيلة الأولى وهي «فعظوهن»، أي الموعظة الحسنة والجلوس مع الزوجة ومناقشة الموضوع معاً من طريق الكلمة الطيبة والتوجيه الحسن، إذا كان خطأ الزوجة واضحاً ووصل العناد بها إلى مرحلة عصيان الزوج والخروج عن طاعته أو التقصير في حقوقه. ويزداد جرم الزوج الهاجر في حق زوجته إذا جعل هجره خارج الفراش، كأن ينام في غرفة منفصلة أو في بيت آخر، فمثل هذا الهجر ولو ليوم واحد حرام.
وتنصح الدكتورة نجلاء أمين الزوج بأن يتقي الله في زوجته، وألا يتخذ من الهجر وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة في إجبار زوجته على طلب الخلع، لأن الله سيحاسبه حساباً عسيراً على هذه النية الخبيثة، لأنه سبحانه العليم بنوايانا وما في صدورنا، حيث قال الله تعالى: «يَعْلَمُ خَآئِنَة الأعين وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (آية 19) سورة «غافر».
تحذير
يحذّر الدكتور سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون، الزوج الهاجر لزوجته ظلماً لإجبارها على طلب الخلع، من انتقام الله منه في الدنيا والآخرة، لأن الظلم ظلمات، وليحذر دعاء الزوجة المظلومة عليه، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «…. وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ على الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لها أَبْوَابُ السماء، وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل، وعزتي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِين»، وقال في حديث آخر: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». كذلك من حق القاضي معاقبة الزوج الظالم وإنصاف زوجته بالطلاق للضرر، إذا أصر على الهجر بلا مبرر.
ويشير الدكتور سيف إلى أن الهجر الذي يراد منه التأديب والإصلاح، يأتي بعد مرحلة «الوعظ»، وأن يكون المراد منه ترك فراش الزوجية في المبيت، وقد يكون الهجر في فراش الزوجية أو في غيره، لكن ليس من الهجر ترك البيت، كما لا يجوز أن يطول الهجر، وإنما يكون بالقدر الذي يصلح الحال ثم ينتهي فوراً، لأنه قد تكون إطالة المدة سبباً لزيادة المشكلة، ولهذا ذكر بعض الفقهاء أن أقصى مدة للهجر أربعة أشهر، فإن زادت عن ذلك يعد مما يطلق عليه شرعاً «الإيلاء»، هو ترك الزوجة معلّقةً من دون طلاق أو رجوع إلى عشّ الزوجية، وهذا الإيلاء محرّم شرعاً.
ويؤكد الدكتور سيف قزامل أن الهجر ليس علاجاً حتمياً لكل النساء، لأن هناك من لا يصلح الهجر معها، بل تصلحها الكلمة الطيبة والنصيحة فقط من دون هجر أو ضرب، وبالتالي فإن هجر مثل هذه الزوجة يكون حراماً شرعاً يخالف النصيحة النبوية بالنساء مرتين في حديث واحد، مع بيان الفطرة التي خلق الله النساء عليها، حيث قال (صلّى الله عليه وسلّم): «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ».