يشهد مطلع شهر سبتمبر المقبل، زيارتين هامتين يقوم بهما الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دولتين من بين أهم دول القارة الآسيوية بالنسبة للسياسة الدولية والاقتصاد العالمي، هما (الهند، والصين).
وتأتي الهند في المحطة الأولى، حيث من المقرر أن يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الخميس القادم الأول من سبتمبر، فعاليات زيارته لنيودلهي، تأسيسا على العلاقات التاريخية القديمة التي تربط مصر والهند، والتي تعد من أقدم دول آسيا القائم نظامها السياسي الداخلي على الديمقراطية البرلمانية.
وتعد الصين المحطة الثانية للرئيس السيسي، حيث سيشارك ضيف شرف في اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي تعقد في «هانجتشو»، إحدى مدن مقاطعة «تشيجيانغ» شرق الصين، خلال يومي 4 و5 من سبتمبر المقبل.
وتحظى زيارة الرئيس السيسي إلى الهند بزخم سياسي واقتصادي، على ضوء تزايد أهمية مكانتها الدولية والإقليمية خلال السنوات الماضية؛ لما حققته – على الصعيد الاقتصادي – من نمو للناتج القومي، يتراوح بين 7% إلى 8% سنوياً، وتوقعات باستمرار تحقيق نسب النمو ذاتها وزيادتها خلال السنوات المقبلة، تزامنا مع جهود توسيع وتنويع قاعدة صناعاتها الوطنية وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، وتعزيز قدراتها العسكرية وصناعاتها الوطنية ذات الصلة.
وتسعى مصر إلى الزخم السياسي للعلاقات المصرية الهندية، على النحو الذي تمتعت به تلك العلاقات تاريخياً خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وتبني رؤية براجماتية على المدى المتوسط؛ لاستعادة أهميتها الإستراتيجية لدى الهند، بزيادة وتنويع التبادل التجاري (يبلغ حالياً نحو 4 مليار دولار أمريكي سنوياً)، والنجاح في جذب المزيد من الاستثمارات الهندية (تبلغ حالياً نحو 3 مليار دولار أمريكي)، وكذلك تعزيز التواجد الثقافي وتنشيط أواصر الروابط الشعبية والحضارية بين البلدين.
وأخيراً، بحث تعظيم الاستفادة من إمكانيات التعاون والاستثمار المشترك في مجالات البتروكيماويات، وبخاصة في ظل اكتشافات مصر لحقول البترول والغاز الطبيعي، والطاقة الجديدة والمتجددة، وصناعات الأسمدة، واحتياطيات مصر من الفوسفات.
وهناك اهتمام مصري أيضاً بفتح المجال أمام تعزيز التعاون الفني في عدد من المجالات، للاستفادة من تجارب الهند في تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتقدم الذي أحرزته في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطب، والصناعات الدوائية، وتكنولوجيا الفضاء، والتعليم، وبخاصة التعليم المهني، وتكنولوجيا تدوير المخلفات، ومنها المخلفات الإلكترونية، وصناعة الوقود الحيوي.
حيث تمتاز التكنولوجيا التي تتبناها الهند بتكلفتها الاقتصادية المقبولة، مقارنة بدول أخرى، وأخيراً تعزيز حركة السياحة الهندية إلى مصر.
وتسعى الهند منذ فترة في المحافل الدولية، للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، كما أنها من بين الدول التي تجابه مخاطر الإرهاب، وتنادي بإحياء مبادرة المعاهدة الشاملة لمواجهة الإرهاب الدولي، والتي طرحتها الهند في الأمم المتحدة عام 1996، وتسعى إلى الحصول على دعم دولي لتطوير مصادر الطاقة المتجددة والاستغلال السلمي للطاقة النووية، وغيرها من قضايا يتلاقى فيها الاهتمام الدولي مع وضوح الرؤية الداخلية للحكومة الهندية بشأن التوظيف الأمثل لهذا الاهتمام لتحقيق الأولويات الوطنية.
وقد نجحت نيودلهي في تعظيم دورها بالمجموعات والتجمعات الدولية، كمجموعة «العشرين» و«البريكس» و«الإيبسا» و«السارك»، والانضمام لمنظمة «شنغهاي» للتعاون، والسعي للإنضمام لمجموعة الموردين النوويين رغم عدم عضويتها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ولقد استمر تدفق العلاقات السياسية القوية بين مصر والهند، حيث توالت زيارات وزراء الهند إلى القاهرة خلال عام 2015، حيث قام وزير الدولة الهندي للشئون البرلمانية والأقليات بزيارة مصر في يوليو من العام الماضي، سلم خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة من الرئيس الهندي «براناب موخرجي»، للمشاركة في القمة الثالثة لمنتدى (الهند ـ أفريقيا)، وشارك وزير النقل البحري والبري والطرق الهندي في الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة، ثم زيارة وزيرة الخارجية الهندية للقاهرة في أغسطس الماضي.
وتلى ذلك، لقاء الرئيس السيسي مع رئيس وزراء الهند، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وأخيراً زيارة الرئيس السيسي لنيودلهي للمشاركة في قمة منتدى (الهند ـ أفريقيا)؛ استجابة وتقديراً لطلب رئيس الوزراء الهندي خلال لقاء نيويورك.
وعقد البلدان الجولة الـ11 للمشاورات السياسية بنيودلهي في ديسمبر 2015، على مستوى مساعدي وزيري الخارجية، حيث تم خلالها مراجعة جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين وكيفية تطويرها وتعزيز مجالات التعاون القائمة، والإعداد لاجتماع الدورة السابعة للجنة المشتركة برئاسة وزيري الخارجية والمتوقع عقدها قبل نهاية العام الجاري، وكذلك تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
إضافة للاتصالات السياسية رفيعة المستوى، قام نائب مستشار الأمن القومي الهندي بزيارة للقاهرة في يوليو 2015، وقامت السيدة مستشارة الأمن القومي فايزة أبو النجا بزيارة نيودلهي في ديسمبر 2015.
كما انعقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب بين مصر والهند بنيودلهي في يناير 2016، الأمر الذي يرشح التعاون الأمني ليكون أحد دعائم تعزيز العلاقات الثنائية خلال الفترة القادمة، في ظل تصاعد خطر الإرهاب، ووجود صلات بين الجماعات والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وبخاصة في ضوء القلق الهندي من انعكاسات النشاط الملحوظ بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة الهندية بباكستان وبنجلاديش، وتنظيم «داعش» الذي نفذ عددًا من الهجمات الإرهابية مؤخراً ببنجلاديش، والذي تزامن مع قيام السلطات الهندية بإلقاء القبض على عدد يقدر بالعشرات ممن يشتبه في انتمائهم لداعش خلال العام الجاري.
واستمرت العلاقات التجارية والاستثمارية وغيرها من أوجه التعاون الثنائي في التطور والنمو خلال الأعوام الماضية، حيث شهد البلدان انعقاد اللجنة التجارية المشتركة ومجلس الأعمال المصري الهندي المشترك بالقاهرة في مارس 2016، وواصلت الشركات الهندية – يقدر عددها بنحو 50 شركة – عملها وتعزيز استثماراتها في مصر بشكل مطرد.
وأعلنت شركة سانمار (أكبر الاستثمارات الهندية في مصر) عن زيادة رأس مالها المستثمر بـ 300 مليون دولار، لتصل إجمالي استثمارات الشركة في مصر إلى نحو 1.5 مليار دولار، وإجمالي حجم الاستثمارات الهندية في مصر حالياً لقرابة 3 مليارات دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العامين الماضيين نحو 4 مليارات دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات المصرية العاملة بالسوق الهندي، انضمت شركة «كابسي» لشركة «السويدي» كمستثمر في الهند، وشرعت الشركة في تشييد مصنعاً لها في ولاية «كارناتكا» بجنوب الهند، علماً بأن مصنع شركة «السويدي» بولاية «أوتار براديش» المتاخمة لنيودلهي، يواصل إنتاجه والتصدير لأفريقيا، كما تقوم شركة «مودرن بيتوميد» بإنشاء مصنع مواد عازلة في ولاية «جوجرات».
واستمر اهتمام البلدين بتعزيز التبادل الثقافي، حيث أقامت السفارة الهندية في القاهرة مهرجانها السنوي الذي يحمل عنوان “الهند على ضفاف النيل” للعام الرابع على التوالي، والذي استمر لفترة ممتدة تقارب الثلاثة أسابيع، إضافة إلى إقامة سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية بعدد من المحافظات المصرية (القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد، والإسماعيلية، وبني سويف)، بمشاركة مثقفين وكتاب وصحفيين وفرق فنية هندية، وغير ذلك من الأنشطة ذات الصلة.
من جانب آخر، تعددت الأنشطة الثقافية المصرية في الهند، حيث حرصت مصر على التواجد بالمعارض والمهرجانات الدولية التي تنظمها الهند (موسيقى وفنون شعبية وسينما)، وكذلك إقامة معارض فنية تضمنت زيارة فرق مصرية إلى عدد من المدن والولايات الهندية، وإحياء اليوم العالمي للغة العربية والتواصل مع عدة جامعات ومؤسسات تعليمية هندية، وإيفاد الأئمة والوعاظ خلال شهر رمضان الكريم.