عين حورس وخصية ست

من الاحداث التى ارتبطت بالصراع بين حورس و ست – كما وصفته متون الأهرام – حدث اصابة عين حورس و بتر خصيتى ست على سبيل المثال فى النص رقم 359 و 570 من متون الاهرام: (صرخ حورس حين أصيبت عينه .. و صرخ ست حين اقتلعت خصيته) .. (سقط حورس حين أصيبت عينه .. و تألم ست حين اقتلعت خصيته) ..(أتى الجيل الاول من الخلق للوجود قبل أن يأتى الغضب للوجود .. و قبل أن تأتى الضوضاء للوجود .. و قبل أن يأتى الصراع للوجود .. و قبل أن تقتلع عين حورس .. و قبل أن تمزق خصيتى ست)
فما الذى يعنيه ذلك؟
رمزية عين حورس هى محور الصراع بين حورس و ست تقول متون الاهرام أن ست اقتلع عين حورس و اختطفها و ذهب بعيدا
وفي احدى الروايات تقول أن ست بعد أن اختطف العين وضعها فوق رأسه ورواية ثالثة تقول انه خبأها أو حاول تدميرها بأن أغضبها أو دهسها بقدميه أو التهمها
و لكن حورس استرد العين و قدمها قربانا لأبيه أوزير لكى يرد فيه الروح و يبعثه من جديد
و تقول احدى الروايات القديمة في الأسطورة أن حورس قدم العين قربان لجسده الراقد فى ال “دوات” و الذى بدأ فى التعفن لكى يوقف تحلل الجسد و يعيد اليه الحياة و فى تلك الرواية يطلق عليه اسم حورس الدوات أى حورس العالم السفلى
جاء فى احدى روايات الأسطورة أن ست هاجم العين فى الجانب الشرقى من السماء تحت خط الافق الشرقى و لكنه بعد ذلك وضعها فوق رأسه فى ساحة المعركة فى هليوبوليس
امتلاك حورس للعين يرمز لخلق النور و الحياة بينما يرمز امتلاك ست للعين لتوقف الخلق (العقم و لهيمنة الظلام على الكون)
عبر المصرى القديم عن ذلك بتعبير وصف فيه الغريمين و هما يتصارعان حول رمز يحوى المعنى الذى يدور حوله الصراع الكونى و هو خلق النور و النظام
و استوحى قدماء المصريين فكرة قيام ست بفقأ العين و اخفاءها و التهامها من صورة القمر فى السماء و هو ينقص تدريجيا ثم يختفى و ظهور القمر من جديد يوحى بأنه تم انقاذه و استعادته كما توحى زيادته التدريجية بأنه استرد عافيته و شفى جراحه و لكن القمر ما هو الا رمز للعين الوحيدة التى أتت للوجود قبل خلق القمر و الشمس و السماء و هى ترمز للكون الأزلى
فأول اصابة فى تاريخ الكون هى تمزق العين و أعتقد أن ذلك التمزق هو رمز للحالة الأزلية التى كان عليها الكون حين كانت عناصره فى حالة تفكك
تقول الاسطورة أن ست هو الذى هاجم العين و بذلك ست هو المسؤول عن حالة التمزق و التفكك التى سادت الكون فى بداياته كما اتهم أيضا بالمسئولية عن حالة تمزق جسد أوزير
اذا كان هذا تفسير ما يخص عين حورس ، فماذا يعنى بتر خصية ست؟
النسبة لبتر خصيتيى ست نجد أن رمزيتها لا تتضح بسهولة و بعكس عين حورس التى تكلمت عنها كثير من المصادر فان خصية ست لا تعتبر كيان الهي قائم بذاته
فكرة بتر خصيتيى ست تتشابه مع فكرة بتر ساقه الامامية فالنصوص ذكرت ان حورس بتر ساق ست و فى كلا الحالتين ينسب فعل البتر لحورس
و الساق الأمامية كانت فى الأصل جزء من جسد ثور السماء ثم تحولت الى أرواح النجوم القطبية الشمالية و هنا يجب علينا أن ننتبه الى أن ست كان يصور فى بعض الأحيان على هيئة ثور يقوم حورس بتقطيعه و تقديمه لتتغذى عليه النترو ، و طالما البتر فى كلتا الحالتين فى الساق الأمامية و الخصيتين خاص بـ ست اذاً خصية ست هى خصية ذلك الثور السماوى الذى كان ست يصور به على هيئة ثور يقوم حورس بتقطيعه
و بعكس الساق الأمامية للثور و التى كان مصيرها بعد بترها أن تحولت الى أرواح النجوم الشمالية نجد أن مصير الخصيتين بعد بترهما غير معروف و لم يتحدث أى نص عن تحول الخصيتين الى نجوم فى السماء و لا الى أى شئ آخر
لكن من خلال نصوص بردية الرامسيوم يمكن تفسير شيء مهم
بردية الرامسيوم تنتمى لعصر الدولة الوسطى و أرخت للاحتفال باليوبيل الثلاثينى للملك سنوسرت الأول فى سلسلة من المشاهد الدرامية
فى أوج هذا االحتفال يمسك الملك (الذى يجسد حورس) باثنين من الصولجانات يرمزان لخصيتيى ست و يخاطب النص المصاحب الملك و يحثه على أن يدمج الصولجانين فى جسده لكى يزيد من قوته !! هنا النص غامض
يوصلنا هذا المشهد لأحد نصوص التوابيت التى تعتبر غامضه أيضا و التى يبدو أنها تصف طقس مماثل لهذا المشهد حيث جاء على لسان ايزيس: “لقد أحضرت ما يبهج قلب ست .. لقد أعطيتك ما يبهج قلب ست .. ها قد منحتك اياهما لتمسك بهما و تلحقهما بجسدك”
يظهر النص السابق ملحق بنص تقديم عينى حورس كقربان حيث يقال عنهما أيضا أنهما تبهجان القلب بمجرد أن تلتصقا بالجسد
ابتهاج القلب الذى عبر عنه النص بلفظ اتساع القلب بلا شك هو رمز لاتساع الكون الآزلى حسب ما جاء في الجزء الأول من المقال ان استعادة العين و امتلاك حورس للعين يرمز لخلق النور و الحياة و النظام من جديد و هو ما يعنى انه كان يوجد كون سابق عن الكون الحالى حيث جاء فى النص رقم 359 و 570 من متون الأهرام: (أتى الجيل الأول من الخلق للوجود قبل أن يأتى الغضب للوجود) .. و قبل أن تأتى الضوضاء للوجود .. و قبل أن يأتى الصراع للوجود .. و قبل أن تقتلع عين حورس .. و قبل أن تمزق خصيتيى ست
المقصود بالغضب هنا هو الصراع المتمثل في القطبين حورس و ست و ما بعدهم من موروث و هنا كلمة الجيل الأول المقصود منها أنه كان يوجد كون أزلى سابق تهدم و تفسخ و بدأت عناصره فى حالة تفكك و تحلل و قام على أشلائه كون جديد لأن الصراع بين حورس و ست هو صراع كونى و هو خلق النور و النظام من جديد (أى خلق كون جديد)
فإذا عدنا لرمزية بتر خصيتيى ست ربما كان المقصود من ذلك أن خصية ست لها تأثير على ميلاد عيني حورس و هما الشمس و القمر و الكون الجديد بكل عناصره ، لان أقدم الأساطير تقول أن آتوم خلق الكون بأن قذف بذور الخلق من ذاته على هيئة سائل منوى و فى طقوس اعادة تكرار قصة الخلق يقوم الملك باعادة اخصاب السماء بنطفته أما أساطير العصرالمتأخر فتقول أن بذور الخلق قذفت من خصيتيى ثور السماء و من عضوه الذكرى !!
جاء فى أحد متون التوابيت أن حورس قد حمل خصيتيى ست و هو ما قد يدل على أن حورس هو الذى رفع بذور الشمس و القمر من العالم السفلى الى السماء و لا تقتصر رمزية خصيتيى ست على الشمس و القمر فقط و انما رمز لبذور الخلق جميعا لذلك فان اقتلاع حورس لخصيتيى ست قد يعنى امتلاكه القدرة على أن يخلق
باختصار يمكننا أن ننظر لعين حورس و خصية ست على أنهما رموز لعبت دور مهم فى اعادة خلق الكون من جديد و صراع حورس و ست على امتلاك هذه الرموز المرتبطة بالخلق يدل على أن الغريمين حورس و ست يمثلان الكون الازلى فى بداية مراحل نشأته و تطوره
فرمزيه الخصية التى أراد حورس اقتلاعها و بترها و أمتلاكها في نفس الوقت لأن بها بذور الإخصاب للكون الجديد لتستمر فيه الحياه كما أن استرداد العين رمز لاستعاده النور و بناء كون جديد فلابد لهذا الكون من عملية اخصاب كونى فاستعادة عين حورس بمفردها بلا قيمه لابد من وجود فحوله و اخصاب متمثل في بذوز للكون الجديد و يمتلكها حورس مع العين و البذور متمثلة فى خصية ست
ولكن لماذا لا يقوم حورس بإستعمل خصيته بدلاً من أن ياخد خصية ست لأمؤخذة يعنى؟
لان الكون بالاساس بنى على قوى متضادة و أقطاب متنافرة و الكون القديم الأزلى تهدم و تحلل بسبب صراع الغريمين و الكون الجديد أيضا يجب أن يبنى على أكتاف هاتين القوتين القوتين المتضادتين حورس و ست
وجود تأثير لـ ست فى الكون الجديد لابد منه و نجده في تمثال تتويج رمسيس الثالث في المتحف المصرى من قبل حورس و ست لازم حورس و ست يكون ليهم وجود فى الكون الجديد لو حورس لوحده و فنى ست سيكون ذلك الكون ضعيف بدون قوه تحميه و تحافظ عليه و هى قوة ردع و بطش فى الكون الجديد متمثلة فى و جود ست للحفاظ عليه من التهدم مره اخرى بسبب الغزاه و الخارجين عن النظام
Exit mobile version