لماذا نصوم ؟؟
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام، ومن علينا بادراك شهر الصيام والقيامفضل أيامه على سائر الأيام وعمر نهارهن بالصيام ونور ليله بالقيام.
هل هلاله وخيمت ظلاله وهيمن جلاله وسطع جماله وعظم استقباله، لاحت بشائر الرضى وأزلفت أيام الهدى وأقبلت ليالي التقى..القلوب فرحة والأنفس مشتاقة والعزائم متوقدة والأذهان متوثبة والأفئدة متطلعة شوقا لرؤيته وحبا لطلعته وتيمنا بمقدمه
قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة :185].
إنه موسم الطاعة وميدان العبادة ومجال الصدقة وشهر التوبة، أقبل في مدة يسيرة وفترة وجيزة وسرعة غريبة، وسوف تنصرم أيامه وتنقضي ساعاته وتسارع أوقاته فنفاجئ به وقد بقي قليله وأزف رحيله.
لقد جاء موسم الخيرُ موسم المغفرة والرحمة والعتق من النار.
اتاك شهر السعد والمكرمات***
فحية في أجمل الذكرياتيا موسم الغفران أتحفتنا***
أنت المنى يا زمن الصالح اتجاء هذا الشهر المبارك ليقول للناس:
“أنا شهر المغفره والرحمة، أنا شهر البعد من الشهوات، أنا شهر الصبر والتحمل”.
إن من الأهمية بمكان ونحن نستقبل هذا الشهر المبارك أن نعرف حقيقة رمضان،
وأن نعرف لماذا نصوم؟
كم من الناس من يفجأه شهر رمضان فيكون عليه ثقيلا!
أتعرفون لماذا؟
لأنّه لم يعرف حقيقة الصيام ولم يعرف لماذا يصوم!!
علينا جميعا أن نعلم أن للصيام حقيقة وللصيام حكم وأسرار، فليس الصيام امتناع عن الطعام والشراب فقط بل له حقائق وأسرار… فتعال أخى الكريم لنتعرف من خلال هذه الكلمات الإجابة عن هذا السؤال:
لماذا نصوم ؟
الصوم غايته بلوغ التقوىنحن نصوم لنتحقق التقوى كما قال سبحانه :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
أتعرفون ماهي التقوى؟
أن تجعل بينك وبين النار وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي.
فما هي حالنا مع التقوى؟!إن الانسان وهو يرى كثيرا من الناس، ليتفطر قلبه ألما وحسرة على حال المسلمين الذي ينتهكون المحرمات في شهر رمضان المبارك!ألم يأن للذين آمنوا أن يعرفوا لهذا الشهر قدره.
أنّه شهر عبادة وموسم طاعة وأنّه صيام عن اللغو والزور والرفث، وليس موسما للمسلسلات الهابطة ولا ميدانا للمسابقات والفوازير الساقطة في وقت يحارب فيه الاسلام، ويهاجم فيه الدين، وتنتهك الحرمات، ويذبح فيه الأطفال والنساء، ويشرد فيه الضعفة من أوطانهم، وتحاك المؤامرات، وتدبر الحيل وتعد الخطط لضرب الإسلام وأهله.
ألم يأن للذين آمنوا أن يبتعدوا عن الربا وأن يعلنوا التوبة عن التعامل به، وهم يعلمون أن درهم ربا أشد عن الله من ست وثلاثين زنية، وأنه إعلان للحرب على الله ورسوله.
ألم يأن للذين آمنوا أن يحاربوا دواعي الزنا ويقطعوا أسباب الخنا وهم يعلمون أنه دمار للأسر وهتك للأستار وغضب للجبار {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الاسراء:23].
ألم يأن للذي أوتي أجهزة إعلامية وقنوات فضائية أو إذاعة صوتية، فنشر بها الباطل وأظهر بها المنكر وأشاع بها الفاحشة وأهلك بها المثل ودمر بها الأخلاق وأفسد بها الضمائر وهتك بها الأستار وأسخط بها الجبار.
ألم يأن له أن يجعل هذا الشهر شهر صيام عن الخنا وإمساك عن الردي وإقبال على الله وبحث عن رضاه؟!! فهو الذي أعطاهم الأموال فحاربوه بها وأغدق عليهم الرزق فانتهكوا به محارمه فـ {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، وقال تعالى : {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].
ألم يأن للذي بح صوته وشاخت حنجرته في الباطل..
أما آن له أن يتدارك ما بقي من العمر ويجعل من هذا الشهر فرصة للتوبة النصوح ومجالا لتزكية الروح.
ألم يأن للكتاب الذي سخر قلمه ووظف بيانه في نشر الرذيلة وتزيين الباطل وتحسين المنكر وإثارة الشبهات والدعوة للشهوات.
ألم يأن له أن يكف المسلم من قلمه ويتوب إلى رشده ويتقي ربه؟!!ألم يأن للتاجر الذي عاش في الحرام وغذي بالحرام وتجارته في الحرام.
ألم يأن له أن يستيقظ قلبه ويصحو ضميره ويجعل شهر رمضان فرصة لإعلان التوبة وإظهار الندم والرجوع إلى الله تعالى.
ألم يأن للذي سلط لسانه في الغيبة وأطلق عنانه في النميمة فأكل أعراض المسلمين ونهش لحوم المؤمنين.
ألم يأن له أن يتعود على صوم الجوارح عن اللّغو والزور والرفث ويعلم يقينا أن الصوم عن الأكل والشرب فقط لا يغني شيئا ولا يجدي فتيلا!!.
يقول صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم» [رواه البخاري].
فــانـــدب زمانــا سلــفــــا***سودت فيه الصحفاولم تزل معتكفا***على القبــيــــح الشنــعكم ليلـــة اودعتهــــا***مآثما ابدعتهالشهوة أطعتها***في مرقد ومضجعفالبس شعار النـدم***واسكـــب شآبــيـــب الــدم قـــــبـــــل زوال الــقــــــدم***وقبل سوء المصرعألم يأن للذين آمنوا أن يتذكروا بسرعة مرور الأيام وانقضاء الأوقات وتتابع الدهور وتعاقب الشهور أن يتذكروا بذلك رحيلهم عن الدنيا، وفراقهم للأحبة ومسكنهم في الثرى ومبيتهم في القبور وقيامهم ليوم النشور يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الصوم جهاد لهوى النفسالصيام – يارعاكم الله – عبادة مفادها أن يزم المرء نفسه وأن يحكم هواه لأجل أن يترك ما يشتهي ويقدم على ما يكره، ومن ثم يكون تابعا لأوامر الله لا لرغائب النفس، فيتعلم كيف يترك ولو كان قادرا على أن يدرك، وهنا يكمن السر في التباين الظاهر بين الإنسان والحيوان.
ولذا فان الصوم لم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت فحسب، بل يعد خطوة جلى إلى حرمان النفس دائما من شهواتها المسعورة ونزواتها المنكورة، وتأكيد لهذا المعنى يقوم صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»[رواه البخاري].
ومن هنا يعلم أن الصيام امتناع عن أشياء مخصوصة، والامتناع في حقيقته عنصر سلبي لا يراه الناس عادة، لكنّه لا يشفي على علام الغيوب وهذا في الواقع تفسير لقول الجبار جل وعلا في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري في صحيحه].
وقال سبحانه : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:211].
والسائحون – يحفظكم الله – هم الصائمون كما قال مجاهد وغيره.
الصوم ترويض للنفس على الصبرالصوم..
عبادة لابد منها لترويض النفس على الصبر وتحمل المشاق، وهي في هذه الصورة ليست تعذيبا جسمانيا ولا معركة مبهمة ضد الجسم كلا إنما هي التعويد على المكابد وتحمل العنت بإحلال الجد محل الهزل، والعمل محل البطالة، والحق محل الباطل، والجهاد محل القعود، والصبر محل الضجر، قال تعالى : {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
والصبر هنا هو الصوم وفي الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم نصف الصبر» [رواه الترمذي].
إن رمضان بهذه الصورة فرصة كبرى ومنحة عظمى للمرء المسلم في أن يطهر نفسه بالنهار كي يعدها لتلقي هدايات القرآن في قيام الليل، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 4-6] وناشئة الليل هي أوقاته وساعاته.
والمقصود: أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش، فكان الصيام في النهار تخلية، والقيام في الليل تحلية، ومن ثم تزكوا النفس وتسموا، وتكون مهيئة لأن تكون مجابة الدعوة، ولربما دل على ذلك قوله جل علا بعد آيتى الصيام : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقفةإنّ الشياطين تصفد في رمضان، ولكن من لنا بشياطين الإنس الذين تفلتوا من كل قيد وتحللوا من كل رباط.
لقد ظهرت شياطين مردة وأبالسة فجرة، يستحي إبليس من فعالهم ويتعلم الشيطان وجنوده منهم، ظهروا على المسلمين عبر الشاشات الصغيرة والكبيرة يبشرونهم ببرامج خلابة ومشاهد جذابة، يعدونهم ويمنونهم بما سيقدمون لهم من أغنيات ماجنة ورقصات آثمة وأفلام ساقطة، ولا يستحيون حينما يتبجحون فيقولون للناس: إن ذلك بمناسبة رمضان المبارك، وأي بركة وقد برك إبليس على قلوبهم وجثم الباطل على صدورهم، وعشعش في ثنايا نفوسهم واعماق حياتهم؟! {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} [النساء: 72].
وإننا ندعو كل مسلم أن يتقي الله في هذا الشهر الكريم، فوالله لا ينفع إمساك عن الطعام والشراب مع إطلاق للجوارح في هذه المآثم وتلك المخازي، قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فاذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب» [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس الصيام عن الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث» [صحيح ابن خزيمة]وقال جابر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم : «اذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم».
فلنحذر أيها الأحبة كي لا نكون ممن قيل فيهم {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} [الفرقان:23].
وإننا ندعو وسائل الإعلام في بلادنا أن تحارب هذه الرذائل، وأن لا تجعل منها قدوة وأن تعمر أوقاتها بما يتناسب مع هذا البلد الطيب، والمجتمع المسلم، وأن يكونوا قدوة حسنة ونموذجا فريدا ليديم الله علينا أمننا وأماننا وأنسنا ورخاءنا.
نسأل الله أن يحفظهم من كل سوء وأن يقيهم من كل مكروه، ولنعلم أن الذي يمكث في الأرض هو ما ينفع الناس وأمّا الزبد فيذهب جفاء، قال سبحانه : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
ألا فاتقوا الله إخواني الكرام وأروا الله من أنفسكم في هذا الشهر المبارك، فإن لله نفحات من حرمها حرم خيرا كثيرا، وأبشروا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «يقول الله جل وعلا: كل عمل ابن آدم له كفارة والصوم لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري].
اللّهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقا وسلما، واغفرلنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
فتوىسئل الشيخ بن عثيميين رحمه الله: هل لقيام رمضان عدد معين أم لا؟فأجاب: ليس لقيام رمضان عدد معين على سبيل الوجوب، فلو أنّ الإنسان قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين ركعة أو خمسين ركعة فلا حرج، ولكن العدد الأفضل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وهو إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة، فإنّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سُئلت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان؟ فقالت: ” لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة “، ولكن يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وينبغي أن يطيل فيها القراءة والركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، خلاف ما يفعله النّاس اليوم، يصليها بسرعة تمنع المأمومين أن يفعلوه، والإمامة ولاية، والوالي يجب عليه أن يفعل ما هو أنفع وأصلح وكون الإمام لا يهتم إلا أن يخرج مبكراً، هذا خطأ بل الذي ينبغي أن يفعل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من إطالة القيام والركوع والسجود والقعود حسب الوارد ونكثر من الدعاء والقراءة والتسبيح وغير ذلك.