ما الفرق بين الاعتماد على المخدرات وإدمان المخدرات؟

ليس سرا أن هناك معلومات خاطئة عن الإدمان منتشرة في وسائل الإعلام الشعبية ووسائل التواصل الاجتماعى . يتعلق أحد مجالات المعلومات الخاطئة بكيفية استخدام اللغة عند وصف الموضوعات المتعلقة بالإدمان. إذا وجدت نفسك تقرأ أو تدخلت بحذر في مناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الإدمان، فقد تنغمس بسرعة في عالم من الحيرة
لان المتخصصين والصحفيين والآباء والمتعاطين والمتعافين دائما يناقشون باستمرار مصطلحات مثل الإدمان  والاعتماد و ساءة الاستخدام والمؤدي للإدمان والاستخدام الترفيهي والاستخدام الطب وغير ذلك.

في تجربتي بصفتي طبيبًا نفسيًّا إكلينيكيًّا، متخصصًا في تقييم وعلاج الاضطرابات النفسية والإدمانية المتزامنة، فإن إحدى أهم حالات الخلط الشائعة هي عدم التفرقة بين مصطلحي (الإدمان addiction) و(الاعتماد dependence).

إن التاريخ العلمي للإدمان غني ومتطور. حتى الأشخاص الذين يكرسون حياتهم لإجراء بحوث عن الإدمان، والمسؤولين عن النصوص الطبية نفسها التي نستخدمها لتشخيص الإدمان، لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق واضح حول المصطلحات التي يجب استخدامها.

ل

نبذة من التاريخ المثير للجدل

أحد النصوص الطبية الرئيسية التي يستخدمها اختصاصيو الصحة العقلية لتشخيص الإدمان هو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، والإصدار الحالي هو الخامس منه.

في الثمانينيات، اجتمعت لجنة من الخبراء لمراجعة الإصدار الثالث من الدليل، وبعد الكثير من النقاش حول استخدام مصطلحي الإدمان والاعتماد، اختيرت كلمة الاعتماد بفارق صوت واحد فقط، وذلك لاعتقاد بعض أعضاء اللجنة أن كلمة إدمان مزعجة. ونتيجةً لذلك، استمر استخدام مصطلح (الاعتماد على المخدرات) في الإصدار الرابع من الدليل، حتى حُذفت من الإصدار الخامس سنة 2013، إلى جانب فئة التشخيص (تعاطي المخدرات substance abuse).

كان الحل في DSM-5 هو دمج فئتي (الاعتماد على المواد) و(تعاطي المخدرات) في فئة واحدة تسمى (اضطراب تعاطي المخدرات substance use disorder) تحت بند الاضطرابات المتعلقة بالمخدرات والإدمان. كان الاستخدام المقصود لمصطلح (اضطرابات الإدمان Addictive Disorders) في تسمية هذا الفصل يرجع في المقام الأول إلى إضافة اضطراب القمار إلى الدليل، وهو اضطراب غير متعلق بالمخدرات، وهنا قررت اللجنة أن يتضمن الدليل مصطلح الإدمان.

ومن هنا جاء الالتباس

إذا كان درس التاريخ هذا محيرًا، فهذا لأنه كذلك، ولا توجد طريقة لتبسيط ما حدث. لكن أكبر مصدر للالتباس يتعلق بكلمة (الاعتماد). فقبل الدليل الثالث، كان مصطلح الاعتماد يعني ببساطة الاعتماد الفسيولوجي، كما يتضح من أعراض التحمل والانسحاب.

لسوء الحظ، وسعت اللجنة المصدرة للدليل الثالث تعريف الاعتماد على المخدرات ليشمل -إلى جانب الأعراض الفسيولوجية للتحمل والانسحاب- الأعراض النفسية والاجتماعية الأخرى، مثل الاستخدام غير المنضبط والعواقب النفسية والاجتماعية السلبية نتيجة تعاطي المخدرات.

وهكذا، تُرك العالم الطبي مع تعريفين مختلفين للاعتماد: أحدهما يشير إلى الاعتماد الجسدي، والآخر يدل على نوع أكثر تعقيدًا من الاعتماد البيولوجي النفسي الاجتماعي، والذي يُستخدم في الواقع بديلًا لتشخيص الإدمان.

كيف نفرق بين الإدمان والاعتماد؟

مع إلغاء فئة (الاعتماد على المخدرات) من DSM-5، يجب أن يكون تعريف الاعتماد أكثر وضوحًا: فهو الاعتماد الجسدي أو الفسيولوجي، كما هو موضح في أعراض التحمل والانسحاب. إنها حالة من التكيف العصبي الحادث بعد الاستخدام المتكرر للمخدر، إذ يستمر المتعاطي في استخدام المخدر لمنع أعراض الانسحاب. إذن الاعتماد لا يساوي الإدمان، مع أنه يُعَد أحد سمات الإدمان.

يُعَد مصطلح الإدمان أعقد، وما زال يدور جدل كبير في المجتمع الطبي حول كيفية تعريفه بالضبط، وما إذا كان من الأفضل تصوره ضمن النموذج المرضي أم التعليمي أم شيء ما بينهما.

طبيًّا وعمليًّا، يُشخَّص الإدمان غالبًا باستخدام فئة اضطراب تعاطي المخدرات الواردة بالإصدار الخامس من الدليل، مع أن الدليل لم يذكر صراحةً هذه الطريقة للتشخيص في أي مكان منه! بل إن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) لا تهتم بالتفرقة بين مصطلحي (اضطراب تعاطي المخدرات) و(الإدمان)، وقد تستخدم أحد المصطلحين محل الآخر أحيانًا.

للحصول على تشخيص دقيق طبيًّا لاضطراب تعاطي المخدرات، يجب أولًا أن يُجري اختصاصي الصحة العقلية مقابلةً تشخيصية دقيقة، يُقَيِّم من طريقها وجود نمط تعاطي المخدرات، أو السلوكيات التي تسبب إزعاج الشخص وضعف أدائه لدرجة واضحة إكلينيكيًّا.

إضافةً إلى ذلك، يتطلب التشخيص استيفاء 2 على الأقل من هذه الأعراض:

هل يمكن أن يعتمد شخص ما دون أن يدمن؟

بالتأكيد. الاعتماد الفسيولوجي شائع جدًّا ويظهر مع العديد من العقاقير، بما في ذلك تلك التي تُعَد أدوية. في الواقع، من المهم جدًّا للأخصائيين الطبيين التمييز بين الاعتماد الفسيولوجي، والإدمان الذي هو أكثر تعقيدًا، لأن التشخيص سيساعد على التوصل إلى العلاج المناسب.

هل من المحتمل أن يكون شخصًا ما مدمنًا دون أن يكون معتمدًا؟

هذا سؤال صعب، لكن الإجابة القصيرة هي نعم.

وفقًا للدليل الخامس، ربما يستوفي بعض الأشخاص المعايير التشخيصية لاضطراب تعاطي المخدرات دون وجود أعراض التحمل والانسحاب. مع أن أعراض التحمل والانسحاب -في أكثر المخدرات- غالبًا ما تكون ضمن أعراض اضطراب تعاطي المخدرات.

يرى بعض المتخصصين أن اضطراب تعاطي المخدرات هو الإدمان فقط، في الحالات التي يُشخص فيها (اضطراب تعاطي المخدرات الحاد)، وهي الحالات التي تستوفي 6 أو أكثر من الأعراض المذكورة بالدليل، والتي تشمل غالبًا التحمل والانسحاب.

لماذا هذا مهم؟

كان هدفي من هذا المقال توضيح الفارق بين الإدمان والاعتماد، لا المزيد من الحيرة. لكن اتضح لي أن التمييز ليس مربكًا لغير الخبراء فحسب، بل بين المتخصصين أيضًا.

حتى مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض (CDC) من الواضح أنها مشوشة حول التمييز، ويتضح ذلك في صفحة المصطلحات على موقعها على الإنترنت، إذ جاء فيها: «إدمان المخدرات: المصطلح الأنسب: اضطراب تعاطي المخدرات».

لكن هذا غير صحيح. بدليل أن DSM-5 حذف فئتي (الاعتماد على المخدرات) و(تعاطي المخدرات)، وعلى هذا فإن القول بأن اضطراب تعاطي المخدرات هو المصطلح المناسب لوصف إدمان المخدرات غير دقيق.

وفي الوقت نفسه، فإن التمييز بين الإدمان والاعتماد ليس بالأمر الصغير. ومطلوب من الأطباء الحصول على التشخيص بدقة حتى يتمكنوا من وصف العلاج المناسب للمريض.

Exit mobile version