تعتبر إيزه رمز للخصوبة والأمومة ولعبت أدوار عديدة في التاريخ والأساطير كربه أنثى ومبدعة ليست فى مصر القديمة فقط ولكن فى جميع أنحاء العالم القديم
إسمها يعني حرفيا (ملكة العرش) لذلك غطاء رأسها عبارة عن كرسي فارغ يخص زوجها المقتول أوزير ، وكانت تجسيد للعرش
في الشكل النموذجي لأسطورتها المصرية ، كانت أست/إيزه إبنة “جب” (رب الأرض) ، و”نوت” (ربة السماء) ، وتزوجت من شقيقها أوزير ، وأنجبت له حورس
كانت أست ذات دور فعال في إعادة الحياة لجسد زوجها “أوزير” عندما قُتل على يد أخيه “ست” وأعوانه ، وبإستخدام مهارتها السحرية أعادت جسده إلى الحياة بعد أن جمعت أجزاء الجسم التي كانت متناثره حول الأرض من قبل “ست” ، وكان يعتقد أن نهر النيل يفيض كل عام بسبب دموع الحزن التي زرفتها على موت زوجها أوزير ، وكانت تعاد دراما موت أوزير وقيامته كل عام خلال الطقوس والإحتفالات التى كانت تقام بشكل درامى
كانت معظم النترو المصرية محلية ، وفي نهاية المطاف أنتشرت في كل أقاليم مصر حتى أن معظم المدن في مصر القديمة كانت تُعرف بتبعيتها لنتر معين ، ولكن أصول إيزيس غير مؤكدة ويُعتقد أنها كانت في الأصل نتره مستقلة عرفت من ماقبل الأسرات (قبل عام 3100 قبل الميلاد) في سيبنيتوس (سمنود حاليا) في دلتا مصر ، وتعود أقدم الوثائق المكتوبة عن “إيزه” إلى الأسرة الخامسة
واستناداً إلى ارتباط اسمها بالعرش أعتقد بعض علماء المصريات الأوائل أن وظيفة إيزيس الأصلية هي وظيفة (عرش الأم) ، ومع ذلك تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن جوانب من هذا الدور جاءت في وقت لاحق ، ويُعرف العرش بكونه (أم الملك) ، وهذا المفهوم يتناسب بشكل جيد مع أي من النظريتين ، وربما يعطي نظرة ثاقبة على تفكير قدماء المصريين
كانت إيزه مصدر مهم لقوة الملك وفي بعض الأحيان تم تصوير الملك كطفلها حورس الذي جلس على عرش أبيه لذلك كان من القاب الملك اللقب الحورى
كان للنتره إيزه طقوسها الشائعة في جميع أنحاء مصر ، وكانت أهم مزاراتها في العصر المتاخر في بهبيت الحجارة إحدى قرى مركز سمنود التابع لمحافظة الغربية في دلتا النيل ، وبدأت في عهد الملك “نخت انبو الأول” من الأسرة الثلاثين حوالى 380- 362 قبل الميلاد ، في جزيرة فيلة
الإسم الأكثر شيوعا لها هو إيزيس وهو النطق اليوناني من الإسم المصري “أست” ودائما ما تظهر أست/إيزيس في كثير من الأحيان على أنها أم حورس وتقوم على رعايته وإرضاعه من ثديها ، ولكن أست هى شخصية مثيولوجيه غير حقيقيه سكنت روحها في نجمة الشعره اليمانية سيريوس Sirius ، وكان سيريوس من النجوم المحببة جداً لدى المصريين لأن ظهوره لم يكن فقط بداية السنة الجديدة ، بل إعلان عن قرب فيضان النيل السنوي ، والذي كان بمثابة تجديد شباب وإزدهار مصر بإعتبارها محتضنة للأرض ومانحة الخصوبة بمياهها كربة الأراضي المزروعة والحقول ، وربة البعث من جديد ومانحة الحياة
أعتربت “إيزه” السيدة العظيمة في عالم الدوت (العالم التحت أرضي/العالم السفلي) التي ساعدت الموتى المباركين في عالم أوزير بإعتبارها النتره “أمنتت” التى كانت على علاقة وثيقة بحتحور و إيزه في دورهما في العالم الآخر، لذلك فمن الممكن النظر للنتره “أمنتت” على أنها ليست مستقلة عنهما بل شخصية بديلة لهما ، وبهذه الصفة ، شاركت مع أوزير صفة “إعطاء الحياة” بإعتباراها من توفر الغذاء والعيش للموتى
في فترة مبكرة نسبيا في التاريخ المصري استوعبت إيزه صفات جميع النترو ، المحلية مثل نخبت ، و نيت ، و باستت ، و حتحور ، إلخ ، حتى أنها في بعض الأحيان تم تحديدها كـ نتره أنثى خرجت من هاوية المياه البدائية التي نشأت منها كل الحياة ، فمن المستحيل الحد من صفات “إيزه” التي تمتلك صفات قوى نترو مائية ، و قوى نترو أرضية ، و قوى نجمية ، و قوى سحرية ، و قوى ملكة العالم السفلي ، و امرأة
تم تكريم “إيزه” أولاً في مصر فهي النتره الوحيدة التي يبجلها جميع المصريين على حد سواء في جميع أقاليم مصر ، والتي كان نفوذها واسع الإنتشار لدرجة أنها أصبحت في العصور المتأخرة متلازمة بالكامل مع الإلهة اليونانية “ديميتر” إلهة الطبيعة والنباتات والفلاحة عند الإغريق فى فترة مصر اليونانية ، وعند الرومان بإسم “سيريس” وهي ربة الفلاحة والزراعة حيث قوبلت بالربة ديميتر اليونانية ،.. فبعد غزو مصر من قبل الإسكندر الأكبر أنتشرت عبادة إيزيس في جميع أنحاء العالم اليوناني والروماني
وفي سياق الفن والثقافة اليونانية القديمة خلال الفترة الهلنستية فى مصر التى تُمثل الفترة بين وفاة الأسكندر الأكبر التي بدأها بطليموس الأول سوتير حتى ضم قلب اليونان الكلاسيكية إلي الإمبراطورية الرومانية أصبحت إيزه/إيزيس فى تك الفترة تعرف بملكة السماء ، وفي العصر الهلنستي أكتسبت إيزيس رتبة جديدة كإلهة رائدة في عالم البحر الأبيض المتوسط ، وكانت تعرف بإسم (إيزيس ذات العشرة آلاف إسم) !!! … ومن بين هذه الأسماء اليونانية والرومانية (إيزيس ، ملكة السماء) .. وأصبح لدى إيزيس معابد في جميع أنحاء أوروبا وأفريقيا وآسيا ، ونحتت لها المقاصير والتماثيل من المرمر من القرن الثالث قبل الميلاد ، وعثر لها على تمثال في مقدونيا
كانت أسطورة إيزيس و اوزير أسطورة مهمة جدا خلال الفترة اليونانية والرومانية في جزيرة “ديلوس” اليونانية وهي من أهم المواقع الأسطورية والتاريخية والأثرية في اليونان ، وفي “بومبي” الإيطالية وهي مدينة رومانية كان يعيش فيها حوالي عشرون ألف نسمة بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا ، واليوم لم يبق من المدينة إلا آثارها القديمة
فى الفترة المصرية الكلاسيكية في كتاب الخروج فى النهار المعروف شعبيا (بكتاب الموتى) ، وصفت إيزه بأنها هي التي تلد السماء والأرض ، وتعرف اليتيم والأرملة ، وتأوى الضعفاء ، وتسعى للعدل بين الناس
وخلال فترة الدولة القديمة تم تمثيل إيزه كمساعد وحامية للملك المتوفى …. وهكذا كان لديها رابطة جنائزية وبالتالي ، ليس من المستغرب أن تلعب إيزيس دوراً مركزياً في التعاويذ والطقوس السحرية المصرية ، ولا سيما تلك التعاويذ المتعلقة بالحماية والشفاء ، وفي العديد من التعويذات يظهر إسمها أكثر من ثمانين مره في نصوص الأهرام ، هذا الارتباط بالملك المتوفي يتطابق مع دورها كزوجة أوزير وأم حورس النتر المرتبط بالملك كحامي له ، ثم فيما بعد تأليه الملك نفسه
بالإضافة إلى ذلك كانت إيزه ممثلة أيضا كأم لـ “أربع شموس حورس” (أبناء حورس الأربعة) ، التى كانت تحمي الجرار الكانوبية التي تحتوي على الأعضاء الداخلية للملك ، وبشكل أكثر تحديدا أعتبرت إيزه كحامية للكبد (جرة إمستي ، برأس بشرية ، و هو الروح التي تحمي الكبد) ، حيث تذكر الفقرة 157 من متون التوابيت بخصوص هذا الشأن أن والدهم هو (حور الأكبر) ، أما والدتهم فقد كانت “إيزيس” ، أما الفصل 112 من كتاب الخروج فى النهار (كتاب الموتى) فيشير إلى أن أبناء حورس كان أبيهم هو “حور” وأمهم هى “إيزه” ، وبحلول عصر الدولة الوسطى بدأ استخدام النصوص الجنائزية من قبل أعضاء المجتمع المصري عامة بعد ان كانت قاصرة على العائلة المالكة ، و نما دور إيزه كحامية ، لتشمل حماية النبلاء وحتى عامة الناس ، وبحلول عصر الدولة الحديثة نما دورها كـ نتره أم بدلا من دورها كزوجة ، وكان ينظر إليها على أنها أم الملك ، وغالبا ما يصور الملك فى بعض المناظر وهو يرضع من ثديها فى هيئة إمرأة او شجرة
مع دمج المراكز الدينية في مصر القديمة أصبح الدين المصري أكثر توحيدا ، وعندما برز نجم “رع” في هليوبوليس تم دمج “رع” مع حورس ، و حتحور تم إقترانها بـ “رع” في بعض المناطق كأم “رع” ، و بدأت إيزه تندمج مع حتحور وأستوعبت وأكتسبت بعض جوانبها ، وبعد أن أستوعبت الكثير من أدوار حتحور ، تم في بعض الأحيان إستبدال غطاء رأسها (كرسي العرش) بغطاء رأس حتحور (قرون بقرة يتوسطها قرص الشمس) ، ونظرا لصفاتها كأم حامية ، بالإضافة إلى الجانب المفعم بالحيوية الذى أكتسبته من خلال أسطورتها وأدوارها أصبحت الربة الراعية للبحار والبحاره ، وأنشرت عبادتها في ارجاء العالم مع حركة السفن التجارية التى كانت منتشرة في البحر الأبيض المتوسط وكانت موانئ إيزيس موجودة في بحر العرب والبحر الأسود ، والنقوش أظهر تباعاً في بلاد الغال وإسبانيا وبانونيا وألمانيا والجزيرة العربية وآسيا الصغرى والبرتغال العديد من المقاصير المسلات والتماثيل التى أقيمت على شرفها حتى في بريطانيا وتم بناء المعابد المخصصة لها في العراق واليونان وروما القديمة
استمرت عبادة إيزيس فى العصر المتأخر حتى القرن السادس الميلادي في جزيرة فيلة في أسوان ولم يتم تدمير المعبد تنفيذا للمرسوم الملكى الصادر في 380 م ، لتدمير جميع المعابد المصرية ، وهذا التسامح كان بسبب معاهدة قديمة بين البليميين والنوباديه كطرف و دقلديانوس الطرف الآخر من المعاهدة
ويقدم لنا مؤرخون حذرون من بينهم ديكسترا Dijkstra وجهة نظر اكثر توازنا حول حقيقة الأمر ما إذا كانت نهاية العبادات القديمة بفيلة قد أثارت بشكل مباشر رغبة مسيحية في إبادة عبادة “وثنية” أو من جراء عملية تغيير بطيئة أو نوع من القدر أو نسيان العبادة القديمة.
وهنا يجب لفت الانتباه الى نص بريسكوس دي بانيوم Priscuc de Panium المؤرخ الیوناني من القرن الخامس الذي يتمحور حول قضية مرتبطة بالسكان المحليين الذين يحملون اسم البليميين والنوباديين (البلیمیین مجموعات إثنية محلية سلمت لهم الموافقة أو (الامكانية) للذهاب من حين لآخر أو على الأقل مرة في السنة إلى جزيرة فيلة لعبادة الإلهة إيزيس … ويبدو جلياً أن وضعية كل من البليميين والنوباديين تبقى خاصة ويمكن الاعتقاد بصورة معقولة أنه لا يمكن خلطهم بالأسرة المصرية لكهنة إيزيس فيلة ، هذا ما تؤكده ورقة بردي عبارة عن عريضة كتبها كهنة (مسيحيين) من كوم أمبو في الشمال يتذمرون من نهابين قاموا بغارات حوالى 567 م ، ووصلوا إلى غاية منطقتهم أي على عشرات الكيلومترات من شمال فيلة ويعتبرونهم من البليميين
كان معبد فيلة المخصص لإيزيس آخر المعابد المصرية القديمة التى كانت تقام فيها الطقوس والعبادات لإيزيس حيث كانت تعتبر كزوجة وفيه ، وأم مثالية ، وربة الطبيعة والسحر ، وصديقة العبيد ، والخطاة ، والحرفيين ، والمضطهدين الذين استمعوا أيضا إلى صلوات وترتيلات الأثرياء ، والعرافين ، والأرستقراطيين والحكام مما جعل عبادة إيزيس في العصور المتأخرة مع بدايات الحقبة المسيحية تسبب قلق وتوتر بالغ نتيجة شعبيتها واكتسابها المعرفة والقدرة السحرية ولأن تلك القدرات والمعرفة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال قوى كونية ومواهب إلهية هوجمت تلك العباده بكل قسوه ، فلم يطلب معتنقى عبادة إيزيس العبادة الحصرية ، لكن من الناحية العملية كان مؤيدوها كثر
يعتقد أن عبادة إيزيس وصلت إلى بومبي حوالي عام 100 قبل الميلاد ، و بعد تدمير المعبد الأول لها في زلزال 62 م ، تم إعادة بنائه بالكامل و زودت الأعداد والزينة وأقيمت الطقوس “الليتورجية” (و”الليتورجية” هى كلمة يونانية يقصد بها “خدمة” وجمعها ليتورجيات ، يُقصد بها العبادات والصلوات الإجتماعية بكل أنواعها) ، هذه الخدمات كانت مليئة بالطقوس والغناء وكانت تقام يوميا مع فتح المعبد كل صباح حتى الإغلاق الليلي .
وأخيرا تمثل أسطورة إيزيس صفاتنا الأنثوية – الحدس ، و القدرات الروحية ، و الحب ، و الرحمة ، و طاقات يين ، و الأم الراعية ، و الكاهنة العالية ، و الإلهة المجازية في كل الأساطير القديمة (مصرية ، يونانية ، رومانية) … فهي جوهر الطاقة النسائية التي هي جزء منا جميعا