جاء في النص رقم 76 من متون التوابيت نص يعبر عن دور “شو” بأنه هو الذى جعل العين (عين حورس) قادرة على بث النور فى العالم الذى كان غارقا فى الظلمة
وفي النص رقم 689 من متون الأهرام جاء أن “شو” رفع العين: ” يا “شو” يا رافع نوت .. ارفع عين حورس للسماء ، الى نجوم السماء”
بربط نصوص رفع “شو” للعين بالنص رقم 434 من متون الأهرام والذى جاء فيه أن “شو” يرفع نوت لتصير أما لآلاف النجوم …. هل نستنتج من ذلك أن هناك علاقة بين رفع “شو” لنوت و رفع العين؟
جاء فى موضع آخر من متون الأهرام نص أطلق على العين لقب “المدينة” و هو نفس اللقب الذى يطلق على نوت ، علاوة على ذلك توصف كل من نوت و العين بأنهما أنجبتا أطفالا!!
و أن نوت جمعت أبناءها (و أكبرهم أوزيريس) فى هليوبوليس ، وأن هليوبوليس هى المكان الذى عثر فيه على عين حورس المصابة بالجراح و تم فيه اعادة جمع أنسجتها الممزقة .
أما أبناء العين فقد جاء ذكرهم مرتين فى متون التوابيت حيث وصفوا بأنهم “نترو” تحولت الى أرواح . على سبيل المثال ، يقول أحد النصوص: “أنا الصقر الالهى .. أنا أحد أولئك النترو أو الأرواح التى تسكن النور و الذين خلقهم آتوم من لحم جسده ، و الذين أتوا للوجود من قاع عينه” ….. وفي نص آخر: “أنا عين حورس النارية التى قذفت الرعب فى القلوب حين أتت للوجود .. أنا عين حورس التى أتت للوجود فى وهج النور ، و التى قضى “رع” بأن تقدم لها القرابين بكل اجلال .. أنا عين حورس التى قضى “آتوم – رع” بأن يبقى أبناؤها للأبد”
المقصود بالعبارة الأخيرة من النص السابق أن “آتوم – رع” قد حول أبناء العين الى أرواح ، أى حولهم الى نجوم … كما ان وصف أبناء العين (أرواح النور) بأنهم خلقوا من لحم جسد آتوم قد يعنى أنهم أتوا من أجزاء العين الممزقة ، و قد يكون ذلك اشارة للكون القديم .
من النصوص السابقة يتضح أن فكرة رفع “شو” للعين تقابل فكرة رفع “شو” لنوت (السماء) و تشبهها الى حد كبير لأن النتيجة فى الحالتين واحدة (و هى خلق النجوم) ، أو بعبارة أخرى ، ان العين لم ترفع الى نجوم السماء ، و انما رفعت لتصبح هى نجوم السماء ، (و من الأشياء التى تستحق الانتباه أن صعود العين كان مصحوبا بكارثة كونية و نيران)
هذا الحدث لم يوصف بشكل صريح و مباشر فى متون الأهرام (برغم أنه قد يفهم ضمنيا من سياق بعض النصوص) ، الا أن متون التوابيت ذكرته فى أكثر من موضع على سبيل المثال جاء فى النص رقم 249 من متون التوابيت على لسان تحوت: “جئت باحثا عن عين حورس .. لقد أحضرتها و فحصتها ، و وجدتها سليمة عفية كاملة العدد ، لقد صعد لهيبها للسماء و أصبحت أنفاسها فوق و تحت”
و فى النص رقم 946 من متون التوابيت: “أنا عين حورس ، ربة كل شئ .. أنا النار التى فى السماء و فى الأرض ، و لهيبى يحيط بكل أعدائى”
و فى النص رقم 746 من متون التوابيت يقول آتوم: “أنا آتوم الذى أتى للوجود فوق أذرع “شو” ، و لهيب عينى يحيط بى من كل جانب”
من النصوص السابقة نستنتج أن الكارثة أو الانفجار النارى الذى صاحب صعود العين للسماء هو نفسه الحدث الكونى الذى دمر الثائرين (قوى الفوضى الكونية) فى العالم السفلى …. و يبدو أن شفاء جراح العين و اعادة جمع أنسجتها الممزقة كان هو الحافز الذى أدى لوقوع الانفجار النارى الذى فتح جوف الكون القديم المتشرنق ، و هو ما أدى بالتالى الى انتشار العين فى كل أنحاء الكون الجديد (فى صورة النجوم و المجرات) … لذلك توصف العين فى النصوص بأنها “خلقت اللهيب” و بأنها “تتجلى فى توهج النور” .
عبر الفنان المصرى القديم عن فكرة صعود العين للسماء وسط اللهيب بصورة الكوبرا المنتصبة و التى يطلق عليها فى مصر القديمة “ايارت”
جاء فى العديد من المواضع بمتون الأهرام أن الملك يبعث بعد الموت فى هيئة الكوبرا المنتصبة “ايارت” التى انبثقت اما من ست أو من رع ، حيث ربطت النصوص بين ذلك الحدث و بين العين ، على سبيل المثال جاء فى النص 478 من متون الأهرام على لسان الملك: “أنا عين حورس .. أنا أصعد للسماء فوق معراج الاله (ست) ، و أظهر على شكل “ايارت” تقف فوق رأس ست”…… (قد تكون رأس “ست” رمزا لقمة المعراج)
و فى النص رقم 704 من متون الأهرام عبارة: “أن الملك هو الصقر الذى انبعث من “رع” .. و هو الكوبرا المنتصبة “ايارت” التى خرجت من عين رع”
كما أشارت متون التوابيت أيضا لأصل الكوبرا المنتصبة “ايارت” على سبيل المثال النص رقم 313 من متون التوابيت على لسان حورس: “لقد خلقت عينى وسط اللهيب .. لقد خلقت عينى على هيئة كوبرا حية” …. و الكوبرا المنتصبة “ايارت” يمكن أن تكون رمز لعين حورس أو عين رع .
أطلقت متون الأهرام على الكوبرا المنتصبة “ايارت” التى ترمز لعين حورس لقب “رننوتت” كما جاء فى أحد النصوص على لسان الملك: “ان لهيب الكوبرا المنتصبة “ايارت” هو لهيب “رننوتت” التى تقف فوق جبينى” ، كما يطلق على الكوبرا المنتصبة أيضا لقب “ايخت العظيمة” .
و فى متون التوابيت وصفت بعض النصوص عين حورس التى تتخذ هيئة الكوبرا المنتصبة بأنها حتحور . فقد وصف أحد متون التوابيت حتحور بأنها: “المشتعلة .. ربة الجزر (جمع جزيرة) .. التى تصعد وسط اللهيب الذى يصدر عن الحروب التى فى السماء”
أما عين رع التى تتخذ هيئة الكوبرا المنتصبة فقد وصفتها متون التوابيت بأنها “وادجت ربة
اللهيب” .
كما ارتبطت عين حورس فى مصر القديمة أيضا بالتاج الملكى ففى النص رقم 220 و 221 من متون الأهرام وصفت عين حورس بأنها هى التاج الأحمر (تاج مصر السفلى الدلتا) ، و أيضا العين النارية ….. أما فى النص رقم 254 و 724 من متون الأهرام وصفت عين حورس بأنها هى التاج الأبيض ، (تاج مصر العليا الصعيد) .
ارتبطت عين حورس أيضا بنوع خاص من أنواع التيجان فى مصر القديمة يطلق عليه اسم تاج ال”وررت” (أى تاج العظمة) .
لم يكن تاج “وررت” مرتبطا فقط بعين حورس و انما ارتبط أيضا بعين رع و خصوصا فى
هيئتها التى يطلق عليها النجمة الوحيدة/الفريدة “سبا – واتى” التى تدمر أعداء رع .
كانت معظم تيجان ملوك مصر الأحياء تطعم بكوبرا توضع فوق منتصف الجبين فعلى المستوى السياسى ترمز هذه الكوبرا لوحدة الأرضين (مصر العليا و مصر السفلى) حيث تختصر الكوبرا الواحدة رموز الأرضين و هى نخبت و وادجت فى رمز واحد (تصور “نخبت” رمز مصر العليا عادة على شكل أنثى طائر الرخمة) ، و لكنها تظهر فى بعض الأحيان على هيئة كوبرا ، و خاصة حينما تظهر كرمز من رموز التاج الملكى .
مما سبق ترمز عين حورس للتاج المزدوج و فى هذه الحالة يطلق عليها لقب “العظيمة فى السحر” أو “ربة المعجزات” (ويريت حكاو)
جاء فى النص رقم 592 من متون الأهرام أن العين قد انبثقت من رأس “جب” فأصبحت هى
التاجين ، و أصبحت هى “ويريت حكاو” (أى العظيمة فى السحر) . يقول النص: “لقد انبثقت العين من رأسك يا “جب” على هيئة تاج مصر العليا “ويريت – حكاو” .. لقد انبثقت العين من رأسك يا جب فى صورة تاج مصر السفلى “ويريت – حكاو””
ذكرت بعض النصوص أيضا أن العين انبثقت من رأس أوزيريس و تحولت الى التيجان التى توج بها حورس . كما ذكرت نصوص أخرى أن العين بعد أن انبثقت من رأس أوزيريس تحولت الى عينى حورس (الشمس و القمر) .
كان تتويج كل ملك من ملوك مصر القديمة هو اعادة تكرار لحدث كونى و هو تتويج حورس
ملكا للكون ، بارتداء الملك للتاجين ، يصبح تجسيدا لحورس على الأرض حيث يجلس على العرش تحميه قوة العين الالهية التى تتجلى فى صور الكوبرا المنتصبة
الحديث عن التيجان التى وصفت بأنها عظيمة فى السحر (ويريت – حكاو) يقودنا الى جزيرة اللهيب أو جزيرة النار” التى جاء ذكرها فى النص الذى عرف باسم نصوص أكل لحم الأضحية فى متون الأهرام و هو النص رقم 273 حيث وصفت هذه الجزيرة بأنها منبع السحر الكونى/الأزلى “حكا”
في العادة تفسر الطبيعة النارية لهذه الجزيرة بأنها رمز لحمرة الشفق عند شروق الشمس و بالتالى فهى رمز لميلاد رع …. و لكن بالنظر للنصوص السابقة للطبيعة النارية للعين و للانفجار النارى الذى أشعله آتوم بيده وربطها ببعضها يصبح هناك تفسير أقرب موضوعية لجزيرة اللهيب ، سنجد أن جزيرة اللهيب تظهر فى نصوصها باعتبارها صورة مصغرة للكون الأزلى حيث يعبر بعث أوزيريس عن اعادة احياء الكون من جديد .
و الجدير بالذكر أن بعض متون الأهرام وصفت القادوم الذى استخدم فى فتح فم و عين أوزيريس بأنه “القادوم العظيم السحر” و هو وصف يتطابق مع وصف العين بأنها عظيمة السحر . فالنصوص و الرموز التى أطلقت على العين تصف أحداث واكبت تشكل الكون فى مراحله الأولى ، و النصوص التى تصف قيام العين بتدمير أعداء النظام الكونى باللهيب فى باطن الأرض ، ثم تصف صعودها للسماء المصحوب باشتعال اللهيب و انتشارها فى انحاء الكون هى نصوص تصف مراحل تطور لحدث كونى واحد ، تم فيه فتح جوف الكون القديم المتشرنق حيث قذفت من داخله العناصر التى استخدمت فى خلق الكون الجديد بما فى ذلك خلق السماء و الأجرام السماوية