مسجد الرفاعى واحد من أشهر المساجد التي تجذب الأنظارَ بين الحين والآخر بما يضم تحت ثراه من شخصيات طالما ملأت الدنيا صخباً وجدلاً،ومن الغريب أن هذا المسجد رغم تسميته بالرفاعى ، الا أن الرفاعى الولى المعروف والعارف بالله ، لم يدفن فيه وانما دفن بالعراق، ولعل سبب هذه التسمية أن جزء من المساحة التى يشغلها المسجد ، توجد بها زاوية تسمى زاوية الرفاعى دفن فيها بعض المشايخ من تلاميذ الرفاعى وأتباعه.
وقد شيِّدَ مسجد الرفاعي على أرض مسجد آخر كان يسمى مسجد الذخيرة ، بنيَّ في العصر الأيوبي، ووصفه المقريزي بأنه كان في مقابل شبابيك مدرسة السلطان حسن ، وكانت بجواره زاوية عرفت بالزاوية البيضاء أو زاوية الرفاعي. وضمت قبور عدد من المشايخ ، من بينهم أبو شباك ويحيى الأنصاري وحسن الشيخوني.
وعرف بهذا الاسم نسبة للشيخ أحمد الرفاعى شيخ الطريقة الرفاعية الصوفية، وعلى الرغم من أنه لم يدفن بالمسجد إلا أن تلك التسمية لازمته عبر التاريخ، ثم نُسب المسجد فيما بعد للشيخ المدفون به علي أبي شباك، وهو من ذرية الشيخ الرفاعي ، وذلك قبل أن يتحول إلى مقبرة للملوك والأمراء بدلاً من صاحبه الشيخ أحمد الرفاعى الذى دفن فى العراق.
لم يخطر على بال أحد أن تتحول تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بمواجهة مسجد السلطان حسن، فى منطقة القلعة بمصر القديمة، إلى واحد من أهم المساجد الكبرى والتحف المعمارية الرائعة فى هذا العصر، والتى شيدت على الطراز المملوكى الذى يتميز بالفخامة وقد كان سائداً فى القرنين الـتاسع عشر والـقرن العشرين، ثم قررت خوشيار هانم والدة الخديوى أسماعيل ، أن يضم المسجد مقبرة خاصة لأسرة محمد على .
ولا أحد يعلم سر اختيار خوشيار هانم ، والدة الخديوى اسماعيل ، لتلك الزاوية الصغيرة وماجاورها من مبان عام 1869، والمعروفة باسم زاوية الرفاعي بالقرب من ميدان صلاح الدين بالقلعة، جنوب القاهرة، كي تصبح فيما بعد مثوًى لرفات العديد من أبناء أسرة محمد علي، والذين من أشهرهم حفيدُها وآخر ملوك مصر، الملك فاروق بن الملك فؤاد بن الخديوي إسماعيل. وليتحولَ جزء من المسجدُ إلى مقبرة للعديد من أبناء أسرة محمد على، حيث يوجد بداخله قبر الملك فاروق الأول، والخديوى إسماعيل ووالدته، بالإضافة إلى شاه إيران رضا بهلوى، والذى كان متزوجاً من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، وطلقت منه فى منتصف الأربعينيات .
وقد توفيت خوشيار هانم سنة 1885 ودفنت فى هذا المسجد قبل إتمام بنائه كما دفن فيه أيضا العديد من أفراد اسرة محمد على مثل الخديوى اسماعيل سنة 1895 وثلاث من زوجاته توفين بعده كما دفن فيه السلطان حسين كامل سنة 1971 والملك فؤاد سنة 1936 ووالدته الأميرة فريال وابنه الملك فاروق سنة 1965 وشاه ايران سنة 1980.
نبذة تاريخية عن الشيخ أحمد الرفاعى :
ولد الشيخ أحمد الرفاعى فى دولة العراق سنة 512 هـ يتيماً، وكفله خاله الشيخ منصور البطائحى، وينسب إلى جده السابع “رفاعة”، الذى هاجر إلى دولة المغرب هرباً من اضطهاد العباسيين للعلويين، وسافر حفيده يحيى إلى بلاد الحجاز لأداء الحج وأقام فى مكة مدة قصيرة ثم ارتحل إلى مدينة البصرة واستقر بها وأنجب ولديه الحسن الرفاعى وأحمد الرفاعى، درس الشيخ أحمد الرفاعى العلوم الدينية وحفظ القرآن الكريم فى سن صغيرة جداً ، وولاه خاله خلافة طريقته قبل وفاته، وترك الشيخ أحمد الرفاعى الكثير من الأوردة والكتب القيمة فى مختلف العلوم الدينية، وتوفى بقرية أم عبيدة بالعراق ودفن فى ضريحه فى العراق أيضاً فيما بين سنة 572 هـ ، أو 578 هـ
قصة بناء المسجد :
مسجد الرفاعى هو توأم مسجد السلطان حسن المواجه له وشبيهه فى الضخامة والارتفاع والقيمة التاريخية ، وان كان فارق الزمن بينهما نحو 500 عام حيث انشئ مسجد السلطان حسن سنة 1359 بينما شرع فى بناء مسجد الرفاعى سنة 1869 حيث أمرت بذلك خوشيار هانم والدة الخديوى اسماعيل، ويمتاز هذا المسجد بروعة التصميم ودقة الفنون وكثرة الزخارف وتبلغ مساحته 6500 متر مربع وينافس مسجد السلطان حسن فى الفخامة والعظمة والابهة ،بالأضافة إن مسجد الرفاعى يضم أضرحة لملوك وأمراء أسرة محمد على .
الثابت أن خوشيار هانم قررت عام 1869 تجديد الزاوية وقامت بشراء الأماكن المجاورة لها وهدمها، وبناء مسجد كبير يكون مدفنا لها ولأبناء الأسرة المالكة من بعدها، وعهدت الى حسين فهمى باشا وكيل ديوان الأوقاف بإعداد مشروع لتصميم وبناء مسجد كبير يلحق به مدافن لها ولأسرتها ، وقبتان للشيخين على أبى شباك ويحيى الأنصارى ، ولظروف ما توقفت عملية بناء المسجد، ثم جاءت وفاة خوشيار هانم عام 1885 لتحول دون إتمام البناء رغم دفنها فيه بحسب رغبتها. وقد توقف العمل فى بناء المسجد من عام 1880 حتى عام 1905 .
ولمدة ربع قرن، ظل البناء متوقفا حتى تولَّى الخديوي عباس حلمي الثاني عرش مصر ، وكلف هرتس باشا مدير الآثار المصرية آنذاك إكمال بناء المسجد عام 1911، وافتتح للصلاة عام 1912 يوم الجمعة الموافق غرة محرم عام 1330 هـ. وبني المسجد على غرار مسجد السلطان حسن المواجه له، ليشبهه في عمارته الفخمة وضخامة حجمه وارتفاعه. كما بنيت المداخل الشاهقة التي تكتنفها الأعمدة الحجرية والرخامية بتيجانها العربية بينما حليت الأعتاب بالرخام، وغطيت المداخل بالقباب والسقوف البديعة .
مقابر الأسرة العلوية الملحقة بمسجد الرفاعى :
في الناحية البحرية من مسجد الشيخ العارف بالله أحمد الرفاعى ، يوجد ستة أبواب ، منها أربعة تؤدي إلى حجرات الدفن لأمراء وملوك الأسرة العلوية، بينما يوصل اثنان منها إلى رحبتين بين تلك المدافن، أولى هذه الحجرات في الجهة الشرقية بها أربعة قبور لأبناء الخديوي إسماعيل ،وهم وحيدة هانم المتوفاة عام 1858، وزينب هانم 1875، وعلي جمال الدين 1893 وإبراهيم حلمي 1926.
وتعلو هذه الحجرة قبة حليت نقوشها بالآيات القرآنية. وعلى يسارها من الغرب، إحدى الرحبتين، ومنها إلى القبة الثانية، وبها قبران أحدهما مدفونة فيه خوشيار هانم ثم قبر الخديوي إسماعيل. ثم يلي هذه القبة الرحبة الثانية ومنها إلى القبة الثالثة المشتملة على قبور زوجات إسماعيل، وهن شهرت فزا هانم 1895،وأيضاًجانانيار هانم 1912 وجشم آفت هانم 1907.
وتتصل بهذه القبة حجرة بها قبر السلطان حسين كامل بن إسماعيل الذي تولى حكم مصر عام 1914 وتوفيَّ عام 1917 ليخلفه أخوه الملك فؤاد. وشاء الله تعالى أن يدفن في تلك المقابر، شاه إيران فى ذلك ، الأخير ( فى ذلك الوقت ) محمد رضا بهلوي، الذي كان في يوم من الأيام زوجاً للأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، والتي طلقت منه منتصف الأربعينات، حيث وافق الرئيس الراحل محمد أنور السادات بدفنه فى مسجد الرفاعى عام 1980.
ويقع قبر شاه إيران ، محمد ىصا بهلوى ، على يمين المدخل الملكي من ناحية الغرب في غرفة رخامية منفصلة، ووضعت على القبر تركيبة رخامية بديعة ، وتضم الغرفة أيضاً مقبرة الملك فؤاد 1868 ـ 1936. وكسيت جدرانها بألواح الرخام الملون ويخرج من هذه الغرفة باب من ناحية الشرق يؤدي إلى قبر الملك فاروق 1920-1965 الذي مات في روما في 17 مارس (آذار) عام 1965.
وكان الملك فاروق قد أعلن قبل موته مراراً رغبته في أن يدفن فى مصر بمسجد الرفاعي بجوار أسرته. وبالفعل تم دفن جثمان الملك فاروق الأول بجوار قبرى جده الخديوى أسماعيل ، وأبيه الملك فؤاد .
وتوجد على قبره تركيبة رخامية بيضاء مدون عليها تاريخ ولادته في قصر عابدين وتاريخ توليه الحكم ثم تاريخ تنازله عن العرش وبعدها تاريخ وفاته .ويظل الرفاعي مسجداً شهيراً بما يضمه من رفات لعدد من أشهر ملوك مصر وحكامها.