أولُ المَمنُوعاتِ العَشْر معنا كان:
((أبدًا ما عَصَيتُ اللهَ لأرضِيَك..))
ومَعلومٌ أن الأهواءَ لن تترُكَ المُسلِمَ في سلامٍ مع قوانينِ ربِهِ دونَ مُنازَعَةٍ خارجيةٍ وداخليةٍ، وإلباسٍ للحقٍ بالهوَى، ومُمارسَةٍ للحِيَلِ النفسيةِ لتزيينِ الهوَى على أنهُ مُرادُ اللهِ، وتَسوِيغٍ الرضوخِ والاستسلام..
فربما قاوَمَتِ الأمُ في البدايةِ لغَلَبَةِ خَيرِ نفسِها على شَرِها، لكن فِتنَةُ الأولادِ شديدةٌ، فما يلبث أن تَجِدَ الأمُ نفسَها وقد رَضَخَتْ وخَضَعَت لمُرادِ أبنائِها في النهايةِ بسيفِ الإلحاحِ…. وكما في المَثَلِ الشَعبِي: “الزَن على الودان أمَرّ مِن السِحر”..!
واليومَ نُعطِيكِ كبسولةَ رُقْيَةٍ تُبطِلُ هذا السحرَ بعونِ الله، وتعينُكِ على الصمودِ أمامَه حين يَهجِم على قلبِكِ الذِي يقتاتُ على فَرحَةِ عُيونِ أبنائِكِ ومَحبَتِهم إياكِ..
فإياكِ أن تَسْتَسْلِمِي لابتِزَازِهِمْ وتُخَالِفِي ربَكِ لتَكسِبِي وُدَّهُمْ وتُبْهِجِي قَلوبَهُم..
فلَنْ يَنفَعَكِ يَومَ القِيامَةِ منهم إلَّا طاعَتُك للهِ فيهم { {لن تنفعَكُم أرحامُكم ولا أولادُكم.. يومَ القِيامةِ يَفصِلُ بينَكم} }.. ” «وَكُلُّكُمْ رَاعٍ.. وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ.» .”
{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ} …
يقولُ ابنُ القَيِّم..:
((والصبيُّ وإن لَم يَكن مُكلَّفًا، فوليُّه مُكلَّفٌ.. لا يَحِلُ له تَمكينُه من المُحَرَّمِ؛ فإنه يَعتادُه، ويَعْسُرُ فِطامُهُ عَنهُ))..
وقال الغزالِيُّ: ((الصَّبِيُّ أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهِرُ جوهرةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورة، وهو قابِلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كل ما يُمالُ به إليه، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ =نَشَأَ عليه، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرِةِ أبواه وكُلُ مُعَلِمٍ لَهُ ومُؤَدِّبٍ،// وإن عُوِّدَ الشَرَّ وأُهمِلَ إهمالَ البهائِمِ =شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه))
انتهى كلامُهما..
و”الصبيُ” تُطلَقُ على المَولودِ في المَهدِ وحتى يَبلُغَ الحُلُمَ..
واقرأوا إن شِتئم:{كيف نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهدِ ((صَبِيًّا))..}..
ويُؤَيِّدُ كلامَهما قِصَصٌ من السُّنةِ…
أشهَرُها: لَومُ النبيِ ﷺ على الحَسَنِ والحُسينِ في عُمُرِ سَبعِ سنواتٍ الأكلَ مِن تَمرِ الصدقةِ، وإخراجُه ﷺ للتمْرةِ من فَمِ أحدِهِما مباشَرة،ً والنَظَرُ إلى الآخَرِ نظرَةً لَومٍ ونَهيٍ في مَرةٍ أُخرَى حتى ألقاها الصغيرُ من فَمِه، مع تلقينِهما في كلِ مَرَّةٍ السبَبَ وراءَ ذلكَ وحُرمَتَه..
===فإن تَحَجَّجَ أبناؤكِ لفعلِ المُنكراتِ بِكونِهم صغار، فقُصِّي عليهم تلك القَصَصَ.. وأخبريهم أنهم لو اعتادوا على ذلكَ سيكبُرُ معهم إلى سِنِ التكليفِ وحينَها سيُحاسَبُون، ومَن شَبَّ على شيئٍ شابَ عليهِ ومَن عاشَ على شيئ ماتَ عليه، فلابُدَّ من التَعَوُّدِ منذُ الصِغَر..
===فإن هَدَّدوكِ، بفِعلِ المُنكَراتِ سِرًا وتَركِ الواجباتِ بَعيدًا عن رَقابتِكِ، وقالوا “إن لم نحصُلْ على كذا أو نشاهِدْ كذا أمامَكِ يا أمي فسنفعلُها مِن ورائِكِ في السِر”،
ويُلِحُّونَ عَليكِ مِرارًا وتَخشَينَ أنْ يُنَفَذوا تهديدَهم..
فيا طيبة:
هَوِّنِي على نَفسِكِ، فاللهُ أرحمُ بِكِ مِن هذا.. فليس عليكِ من حِسابِهِم مِن شيءٍ إن حَدَثَ ذلكَ وفَعَلُوهُ خارجَ رَقَابَتِكِ ومسؤُولِيتِكِ ورُغم توجيهاتِك: { {ما عليكَ مِن حِسابِهم مِن شيءٍ وما مِن حِسابِكَ عليهِم مِن شَيئ} }..{ {كلُ امرِءٍ بِما كِسَبَ رَهِينٌ} }..
وليكُن حِوارُكِ معَهم حينَها كالتالٍي وبِكل ثباتٍ وثِقَةٍ بالله قولي:
-أنتم هكذا لاتهددونِي أنا بل تهددون أنفسَكُم، فرِفقًا بأنفسكم يا أولاد..
-فحين يقول لي أحدُكُم “ألقينِي في النارِ بدلًا مِن القَفْزِ فيها بنَفسِي مِن ورائِكِ سرًا”، فَمن يُهَدِد؟!.. { {إِن يُهلِكُونَ إلا أنفسَهم وما يَشعُرُون} }..!
-أنا لن أُسألَ عن عدمِ هَيمنتِي على سلوكِكم في السرِ فذاكَ بيدِ الرقيبِ الشهيدِ وحدَه: { {وما أرسلناك عليهم حفيظا} }..
-فلا ذنب عليّ لو فَعلتُم الخطأَ سِرًا بذريعةِ مَنعِي إياهُ عَنكُم علنًا: { {أنْ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وأنْ لَيسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى} }..
-فالأمرُ يَصُبُّ مباشرةً في صحيفةِ المخطيء عمومًا لا صحيفتِي، طالما لم أُفَرِّطْ في واجبي: {ومَن يَكسِبْ إثمًا فإنما يَكسِبُهُ على نفسِه}..
-والواجبُ الذي سأُسأَلُ عنهُ هو التسهيلاتُ التي قدمتُها لكم لفِعلِ المُنكَراتِ وتركِ الواجِبات، وعدمُ مَنعِي إياكُم مع استطاعتِي: { {إلا تفعلُوهُ تَكُنْ فِتنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ} }
-فاللهُ يختبرُ طاعتِنا لهُ في ما وَهبَنا: { {إنا مُرسِلُو الناقَةِ فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر} }..
-ومِن ذلكَ أزواجُنا وأولادُنا..: {إنما أموالُكُم وأولادُكم فِتنَة}..
-ومن يَفتِنَّا منهُم عَن مُرادِ اللهِ يكونُ عدوًا لنا تَجِبُ مُقاوَمَتُه: { {إن مِن أزواجِكم وأولادِكم عدوًا لكم فاحذَرُوهُم} }..
-وبقدر تفريطِي فقط في أمانةِ تربيتِكم، بقَدرِ ما سأحمِلُ في صحيفَتِي { {وَلَيَحْمِلُنَّ أثقالَهم وأثقالًا مَعَ أثقالِهِم} }، { {وَمَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرةٍ شَرًا يَرَه} }..
-بالتالِي، مَعِي كاملُ الحَقِ أن أصونَ صحِيفَتِي عن كلِ ذلك، فلا أحدَ يستحقُ أن أُهدِيَهُ ذرةً من حسناتي أو أحمِلَ عنهُ ذرةً مِن سيئاتِهِ، لأنَ الجَميعَ -حتى الوالدانِ الكريمانِ أحنُّ البَشَرِ علينا- سيهرُبون مِنا يَومَ القيامَةِ :{يومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أخيهِ وأمِهِ وأبيهِ وصاحبَتِهِ وبَنِيه}..
-ولن يضمنَ بقاءَنا أحِبةً يومُها إلا “تقواناَ” في الدنيا: {الأخِلاءُ يَومَئِذٍ بعضُهم لبَعضٍ عدوٌ إلا المتقين}..
هذا بالنسبةِ لي.
==والواجِبُ عليكم أنتم الذِي ستُسأَلون عنه حِينَ تَبلُغُونَ الحُلُمَ وتحتاجُون التَعودَ عليهِ مِنذ الصغر هو:
-عدمُ ارتكابُكم لأيِّ مَعلُومٍ بالضرورةِ شَرعًا أنه مُنكَرٌ لا يُرضِي الله/ أو تفريطُكم في واجبٍ شَرعِيٍّ أو أخلاقِي/ بالذاتِ سِرًا: {يستَخْفُونَ مِنَ الناسِ ولا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وهُو مَعَهُم}.. {أَتَخْشَونَهُم.. فَالله أحق أن تّخشَوهُ إن كنتم مؤمنين}..
-فالله يختبِرُنا بالخَلَواتِ لأنها مَعقِدُ الإيمانِ برقابةِ اللهِ حَقًا: {لَيَبلُوَنَّكُمُ اللهُ بشيئٍ مِنَ الصيدِ تَنالُهُ أيديكُم ورماحُكم لِيَعلَمَ اللهُ مَن يَخافُهُ بالغَيب}..
-وَبِقَدرِ تفريطِ المرءِ في حُرُمات اللهِ سِرًا، بقَدرِ تفريطِه في حسناتِه يوم القيامة، بمجيئه يومَئذٍ ضمنَ أصحابِ الصالِحاتِ الضخمة كالجبالِ، والتي يجعلُها اللهُ هباءً منثورًا.. مَن هُم أولئِكَ يا رسولَ الله؟ =” «أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» “..
-وما دُمتُم في مسؤوليَّتِي ورعايتِي وقِوامَتِي الماليةِ والتربويةِ وغيرِها، فهذا هو القانونُ والنظامُ المُتَبَعُ لأجل نجاتِنا جميعًا من سُوءِ العواقِبِ.. {فأعِينونِي بقُوةٍ أجعَلْ بينكم وبينهم رّدمًا}..
-ثم حينَ يَرزُقُكم اللهُ بأموالِكُم الخاصةِ بعيدًا عن وِصايَتِي وتُصبِحونَ مسؤولينَ فيها عَنِ السؤال المُنتظَرِ لِكلِ عَبدٍ: “عن مالِهِ: مِن أين اكتسبَهُ وفِيمَ أنفقَه”،/ وعن أفعالِكُم كامِلَةً =فافعلوا حينَها ما شِئتُم واستطعتُم حَملَهُ في صحيفتِكم: { {فَمن أبصَرَ فلنفسِهِ.. ومَن عَمِيَ فعلَيها.. وما أنا عليكم بحفيظ} }..
{فليَحذَرِ الذِين يُخالِفُونَ عن أمرِه أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يصيبَهم عذابٌ أليم}
{وبَشِّرِ المُخبِتِين}…
انتهَى نموذجُ الحوارِ والذِي -(في تلك الفترةِ وإلَى أن تَختَفِيَ تلكَ الظاهرَةُ مِن بيتِكُم بحولِ اللهِ وقوتِهِ)- ستحتاجينَ مَعه:
1-الاستعانةَ باللهِ على الصبرِ على جِدالهِم بالتِي هي أحسن، وعلى الثباتِ أمامَ إلحاحِهم وما يُسَبِبُهُ من إنهاكٍ نَفسِيٍّ، فأكثِرِي من الحوقَلَةِ والصلاةِ على النبيِّ ﷺ والاستغفار..
2-الاجتهادَ مُجَددًا في تقويةِ صِلَتِهم باللهِ على أساسٍ مَتينٍ مِنَ العَقِيدَةِ الصحيحةِ وأركانِ الإيمانِ السِتة، لأنهم مَفاتيحُ تأسيسِ التَقوَى ومُراقَبَةِ اللهِ ومعرفةِ قَدرِه وقَدْرِ الآخِرَةِ وحقيقةِ الدنيا والعُبودِيةِ و ما إلى ذلك..
3-صلةً قويةً بابنكِ أركانُها الحُبُ والثِقَةُ والاحترامُ والتقديرُ والتفاهمُ والصدقُ والعُدل.
4-قدرًا كافيًا لديكِ مِن الإصرارِ والصلابَةِ في الحَق، مُقابِلًا لقوتِهم في الإلحاحِ والعِناد، فلا َيِفلّ الحديدَ إلا الحديدُ، وصاحَبُ الحقِ أقوَى، فاثبُتِي..
5-الإلمامَ بالدليلِ الصحيحِ -شرعًا وعَقلًا وحِسًا- على نكارَةِ هذا الفِعلِ مِنهم، حتى يَتَيقنوا أنكِ لا تتكلمينَ بهوًى كما بينَّا في القواعِدِ السابقةِ، فمن أهمِ العقائدِ التي ينبغِي أن تكونَ تأسسَت فيهم: أن مَصادِرَ أفعالِنا وقناعاتِنا نأخُذُها مِن القرآنِ والسُنة.
6-الاجتهادَ في التعامُلِ مع هذا الأمرِ أحيانًا بشيءٍ من رُوحِ الدُعابة، وفي ذاتِ الوقتِ بحزمٍ وثَباتٍ على المبدأ، فاللينُ والرفقُ والمُمازَحَةُ واللطفُ مِن أعظمِ طُرُقِ التأثيرِ في النفوس.. { {ولو كنتَ فَظًا غليظَ القلبِ لانفضُّوا مِن حولِكَ} }..
7-مع مشاركتِهم تدبرِ أحوالِ وعواقبِ أهلِ التفريطِ، اتعاظًا بهم: {قل سيروا في الأرضِ فانظروا كيف كان عاقبةُ المُجرمين}..
8-والتذكيرِ دومًا عند وجودِ بوادرَ رَغبَةٍ في التفَلُّتِ مِن أحكامِ الله، بالآيتين الكريمتين: {فلعلَّكَ تارِكٌ بَعضَ مَا يُوحَى إليْكَ وَضائِقٌ بهِ صَدرُكَ}؟… { {كِتابٌ أُنزِلَ إلَيكَ فلا يَكُنْ فِي صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ} }..
9-وتذكيرِهم بقولِ إسماعيلَ لأبيهِ إبراهيم {يا أبتِ افعَلْ مَا تُؤمَرُ ستَجِدُنِي إن شاءَ اللهُ مِنَ (((الصابِرِين)))}، فطاعتُهُم في الأصل للهِ وليست للوالدين.. فليكونوا من الصابرين عليها كإسماعِيل..
10-وأولًا وآخِرًا.. كوني القدوةُ فيما تأمرينَهم بِه: {كَبُرَ مَقتًا عندَ اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون}
وكما بدأنا بابنِ القيمِ نَختِمُ بِه..
قال: “مِن رحمةِ الأبِ بولدِه أن يُكرِهَهُ علي التأدُّبِ بالعلمِ والعَمل.. فإن أهملَ ولدَهُ كان لقِلةِ رحمتِه بِه -وإن ظنَّ أنه يرحمُه و يُرَفِّهُهُ ويُرِيحُه!.. فهذهِ رحمةٌ مقرونةٌ بجهلٍ”.. انتهى كلامه..
فاصبري وصابري ورابِطي، وأبشِرُكِ عن تجربة:
سيلينون بين يديكِ بإذن اللهِ ولو بعدَ حِينٍ {فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهۡتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ}
فإن كان قَلقُكِ مِن تَعَلُّقِهم أكثرَ بالأمورِ الممنوعةِ بحُجةِ أن الممنوعَ مَرغوبٌ؟ أو مِن كونهم لازالوا يرتكبونَ الخطأَ بحِجةِ عدمِ وجودِ سيئاتَ لهم بعد؟
فالجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذن الله.