ممنوعات3 (تابع): “يا عائشةُ! متى عَهِدتِنِي فَحَّاشًا؟!”.. السبب والعلاج.

فن الكتابة فى الصفحة البيضاء..

وقفنا عند سؤال:
لماذا يَصعُبُ على اللعانين الشتامين، الامتناعُ عن ذلك رغم عدم جهلهم بعواقبه في الدنيا والآخرة؟ وما العلاجُ….؟

-قال العلامة ابن حبان:
“الحياءُ هو الحائلُ بين المرءِ وبين المزجوراتِ كلها -أي الأمور التي يجب ان ينزجِر َعنها… فبقوةِ الحياءِ= يَضعُفُ ارتكابُه إياها… وبضَعفِ الحياءِ= تَقوَى مُباشَرَتُه إياها…*1

إذًا البداية -كما قلنا في مقالاتِ الدعاءِ على أبنائنا- :
ليستْ في اللسان..
إنما في القلب، محِلِّ الإيمان، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان..

وكلما تشرَّبَ قلبُكِ أن الأبناءَ نعمةٌ، وأمانةٌ، ووجودَهم له غايةٌ تُخلِصِينَ فيها لرب العالمين بلا حظوظِ نَفسٍ أو مآربَ دنيويةٍ، بل فقط تربينَهم لله،
= كلما استحيَيتِ من انطلاقِ لسانِكِ بسوءٍ وامتنعتِ عن إهانتِهم وتحقيرِهم..
جاء في الدرر السنيةِ بموسوعةِ الأخلاق، أن مالكًا روى عن يحيَى بن سعيد،ٍ أن عيسَى بنَ مريمَ لقِيَ خِنزِيرًا في طريقٍ فقال له: “انفُذْ بسلام”… فقيل له: “تقول هذا لخِنزِير!!؟”…
فقال عيسى عليه السلام: (((إني أخاف أن أُعوِّد لساني المنطق السوء))).
سبحان الله القائل: { {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ} }..
فالذي يُسَهِّلُ على الأمِ لَعنَ أبنائِها هو تَعَوُّدُ لسانِها أصلاً على الشتمِ عمومًا في الحياة..
تشتُم الجوَّ، تشتمُ الحذاءَ، تشتمُ العثراتِ، تشتمُ الملابسَ، تشتمُ الهاتفَ، تشتمُ الناس..
أي شيئٍ يُضايقُها تشتُمُه.. بل إن منهنّ اليومَ من تتبادلُ السِبابَ مع صديقاتِها تبسُّطًا وتَعبيًرا عن ذوبانِ الحدود بينهما!
فالعلاجُ يبدأُ مِن القلب..
قناعاتُه الأُخرويةُ وأعمالُه لأجلِها، مِن تَقوَى وخَشية وحياءٍ..
فالإناءُ يَنضَحُ بما فيه..
تُريدينَ مَعرفةَ كيفَ تُنَفِّرينَ أبناءَكِ مِنكِ وتجعلينَهم يتحاشُون أماكنَ تواجُدِكِ ويبتهجون بغيابِكِ ويُمَرِّرون كلامَكِ باستخفافٍ ويُلِينُون الكلامَ معكِ فقط من بابِ المُداراةِ لأجلِ التخلُصِ فقط من توتراتِ وعواقبِ التواصلِ معك؟
أكثري مِن لَعنِهم وسبِهم والتحقيرِ والتهكم..
قال القاسِمِي: إياكَ وما يُستَقبَحُ مِن الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنكَ الكرام*2
وقال تعالى { {وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَ} }
وقال رسوله ﷺ كما قلنا سابقًا في حديثِ بئسَ أخو العَشيرةِ:
(( «إنَّ شرِّ الناسِ مَنزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ، من تُرِكَ اتقاءَ فُحشِه أو شَرِّه» ))..
تحبين أن تكوني مكانَ ذلك الرجلِ الذي ذمَّه النبيُ ﷺ وحذر المؤمنين من فُحشِ لسانِه والعياذُ بالله….؟
وكما أن من آثارِ السِبابِ على نفوسِ الأبناءِ، نفورَهم مِنكِ وانفضاضَهم عنكِ،
فمن آثارِه كذلكَ فقدانُ قيمتِكِ كقدوةٍ لهم في الصلاحِ والإصلاحِ،
وضياعُ هيبةِ ومصداقيةِ توجيهاتِك،
وانسحاقُ نفوسِهم تحتَ الشعورِ بالدونيةِ والهوانِ والاكتئابِ والوَحشَةِ،
واهتزازُ قوتِهم النفسيةِ وتَضاعُفُ هشاشتِهم..
فكلما ابتعدتِ عن تلك القاذوراتِ واستنكرتِها أمامَ أولادِك،
كلما تشبَّعوا بنكارتِها وشناعتِها وقبِلوا مِنكِ تقويمَكِ لهم فيها،
بالإضافةِ إلى صيانتُكِ لكرامتِهم ونفسيتِهم،
فينشأون -بفضلِ إعفافِ لسانِكِ عنهم- على العِزةِ والحياءِ والقوةِ النفسيةِ والأمانِ..
وكلما استهنتِ بها وعودتِهم عليها،
كلما صَعُبَ عليكِ نَهيهُهم عنها، سواءٌ كان معكِ أو مع الآخرين وزوجاتِهم وأبنائِهم مستقبلا..
فما العلاج؟
في استحضارِ الآتي دومًا:
-أن سبابَ المسلمِ فسوق، وأن مِن عواقِبهِ الإفلاسَ يومَ القيامةِ وربما النارُ، (إلى آخر عواقب السبِ واللعنِ التي ذكرناها) ..
-وأنه مُنقِصٌ لأخلاقِنا وميزانِنا نحن، فكما قال ﷺ: “ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ”..
-وأن الله يَبغَضُ الفاحشَ البذِيء..
-و{ {لا يُحِبُ اللهُ الجهرَ بالسوءِ من القولِ إلا من ظُلِم} }
-وأن السِبابَ يَزِيدُ المسافةَ بيننا وبين النبي ﷺ ويؤثرُ على درجةِ مَحبَتِه لنا، ففي الحديث: “إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا”..
-وأن سبَ أبنائِنا فيه انتهاكٌ لحرمتِهم..
-وأن المسلمَ مَن سلِمَ المسلمون من لسانِه ويده..
-وأن سيءَ القَولِ يتحاشاهُ الناسُ، خوفًا من شرِّ لسانِه، وهو بذلك شر الناس منزلةً يوم القيامةِ..
-وأن الفُحشَ في القولِ ليسَ من صِفاتِ كاملِ الإيمانِ فهو من مُنقِصاتِ الإيمان.
-وأن اللهَ حَرَّمَ على نفسِهِ الظلمَ وحَرَّمَه علينا..
-وأن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة..
-وأن كلَكُم راعٍ وكلَكم مسؤولٌ..
بجانبِ استحضارِ القواعدِ الستةِ التي فصَّلناها في المقالةِ السابقةِ في “علاجِ الدعاءِ عليهم” -يمكنكم
الرجوعُ إليها
مَنعًا للتكرار- والتي كان من أهمِّها:
-فاطمةٌ بِضعَةٌ مِني يُؤذِيني ما يؤذيها..
-أمسِكْ عليكَ لسانَك..
-إني اشتَرَطتُّ على ربي: “فأيُّ المسلِمين لَعَنْتُه أو سَبَبْتُه فاجْعَلْه له زَكاةً وأجْرًا..”
-أو ولدٌ صالحٌ يدعُو له.. فالسِبابُ إضرارٌ بالباقياتِ الصالحاتِ التي أفنينا أعمارَنا في زراعتِها..
ومِن المُعِينات:
-عدمُ مخالطةِ اللَّعّانينَ الشتَّامِين، فكما في الحديث: “المَرْءُ على دِينِ خَليلِه، فَلْينظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلْ”…
-والتعوذُ باللهِ من نَزغِ الشيطانِ وتحريشِه بيننا في الأقوال، كما قال تعالى: ﴿ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} ﴾
-وإغراءُ النفسِ بالعواقِبِ الطيبةِ كلِها للمجاهدة في إعفاف اللسان، بخاصةٍ عاقبةُ ((نقاءِ السُمعَةِ في الدنيا من كلِ سوء))، والتي أبرزَتْ جمالَها الجملةُ المنقوشةُ بالذهبِ المَذكورةُ في المقالةِ السابقةِ على لسانِ طيبِ الذِكرِ ﷺ حين قال في حديث “بئس أخو العشيرة”:
“يا عائشةُ! متى عَهَدتِنِي فَحَّاشًا؟”..
وقالت مثلَها نسوةُ المدينةِ من قبلُ عن يوسُفَ عفيفِ السريرةِ والجوارحٍ: { {حاشَ للهِ ما عَلِمْنا عليهِ مِن سُوء} }..
فتلك غنيمةٌ مَرجُوَّةٌ وثمَرَةٌ طيبةٌ مأمُولةٌ، يَهنأُ قاطفُوها بَعدَ طولِ مجاهدةٍ ولابُد..
فطوبَى لأهلِ السُمعَةِ الزكيةِ والسيرةِ الحسَنَةِ وطابَ جهادُهم،
الذين يشهَدُ لهم من حولَهم بالعفةِ قولًا وعملًا، ويجعلُ اللهُ لهم لِسانَ صدِقٍ عليًا..
فنقول للسائلةِ وأمثالِها ختامًا وإجمالًا بعد تفصيل..
يا أعانكِ الله…..
قد أشفقتُ على ولَدِك.. ومؤكدٌ أنكِ تشفقين عليه أكثر مني كذلك..
وقد عرفتِ آثارَ السبِ.. وعرفتِ مَواطِنَ الخللِ وطُرُقَ العلاج..
فابدئي..
فلن يُسعِدَكِ أبدًا يومَ القيامةِ إيقافُكِ لتَقرَئِي بنفسكِ كلَ عريضةَ الشتائمِ التي قَرَعتِ بها على مسامعِه حين يُقال: ((اقرأ كتابَك))…
مَشهدٌ مُخجِلٌ جدًا لا ريب، أمامَ الخَلقِ كلهم وخالقِهم والعياذُ بالله..
ناهيكِ عن عتابِ اللهِ يومَها ومجازاتِه لمَن أسرفَ وتجاوزَ في حَقِّ عبادِه لاسيَّما الضعفاءِ منهم…
وليس هناك مجالٌ لكلمةِ “لا أستطيعُ أن أتوقف”..
فأين الوصيةُ النبويةُ ((استَعِن باللهِ ولا تَعجَزْ))..؟
=والأخرى: (( «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه» ))*3..؟
= أولاد المسلمين ليسوا حيواناتٍ ولا حَميرَ ولا بهائِمَ يا أخية..
= أولادُ المسلمين تاجُ الأمةِ وكنوزُها ولآلئُها المكنونةُ المُنتَظَرَة..
= ابنُكِ المسلمُ ليسَ كائنًا مُهانًا لا كرامةَ له..
= بل هو حاملٌ لثُلُثِ القرآنِ والسبعِ المثانِي وأمِ القُرآنِ… فيكف يُهان…؟
=بل قال النبيُ ﷺ: “إن مِن إجلالِ اللهِ إكرامَ حاملِ القرآنِ”
= أي أنه جوهرة وحَجَرٌ كريمٌ مُعزَّزٌ ومُكَرَّمٌ في بيتِ والدِيه،
=لا لوحةُ أهدافٍ -نُسدِّدُ إليها ضرباتِنا وطلقاتِ ألسنتِنا..
=ابنُكِ المسلمُ هو “عملُكِ الصالحُ الممتدُ بعدَ انقطاعِ عملِكِ من الدنيا/ والدعوةُ الحُلوةُ التي ستؤنِسُ قبرَكِ/ والاستغفارُ الذِي سيرفعُكِ في الجنةِ بإذن الله كما في الحديث:
“إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا؟ فيقالُ: ((باستغفارِ ولدِكَ لكَ))..”
جعلكِ اللهُ ممن قالَ فيهم { {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَٰطِ الحَمِيدِ} }
وقال عنهم الناس {حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء}..
وأعاذكِ ممن قال عنهم: “وهل يَكُبُّ النَّاسَ على مَناخِرِهم في جَهنَّمَ إلَّا حَصائدُ ألسِنتِهم”..؟
أو انفضَّ عنه أحبابُه والناسُ، اتقاءَ شَرِّه..
وإلى اللقاءِ مع الممنوعِ الرابعِ “أبدًا ما شمتُّ فيك”.. في المقالة القادمة بإذن الله..

Exit mobile version