حرف الألف
“أخلص نيتك”
لا شك أن من أهم أسباب السعادة تحديد الهدف والغاية، فإن من لا غاية له ولا هدف كحاطب بليل؛ لا يدري ماذا يجمع، ولا إلى أين يتوجه، وهو كذلك يعيش في التيه، ويحلم بالأوهام، ويرى السراب ماءً، قال الله تعالى:” {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } ” [النور:39]
ولذا فقد وردت العديد من الآيات والأحاديث النبوية تؤسس لإخلاص النية وتوجيه المقصد في كل الأعمال إلى الله – جل في علاه-وقد جاء في سورة البينة قول الله – تعالى-: ” {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ” [البينة:5] وفي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله –تعالى- عليه وعلى آله وسلم- يقول: ” «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» .” [متفق عليه]
ولذا فاحرص على أن تجدد نيتك لله –تعالى-ليس قبل أن تشرع في الزواج بل حتى وأنت تبحث عن الزوجة في بداية مشوارك الأسري، وثمة نقاط أسوقها إليك أذكرك بها هي – في الواقع -مفاتيح تجلب لك السعادة والسكينة في بيتك ومع زوجتك، وتسهم في تحقيق السكينة والسكن فيما بينكما….
أخلص نيتك في بحثك عن زوجة تعفك وتعفها، سدًا لمنافذ الشيطان وتزيينه الشر أمامك، وعدم الوقوع على الجيف والقاذورات بإطفاء الغريزة الجنسية بما لا يحل الله – سبحانه وتعالى-وفيما لا يرضى، وكم من أناس أبوا أن يعفوا أنفسهم بالحلال، فانزلقوا في مهاوي الردى والشهوات، فباؤوا بخسران مبين.
أخلص نيتك في تعليمها وتأديبها فيكون لك أجر الدعوة إلى الله، ولا ريب أن أساس المجتمع الصالح هو الأسرة الصالحة، ومن روافد المجتمع الرباني أن يقوم الرجل فيه بدور الأب والمربي لزوجته وأولاده، ولك أن تتخيل لو أن كل رجل أصلح نفسه وأهل بيته، كم من الأسر التي ستبني مجتمعًا صحيحًا سليمًا، إضافة إلى أن الرجل حينما يقوم بتعليم أهله وتأديبهم فقد جمع بين الخيرين: تعليم نفسه أولاً وتأديبها وإصلاحها؛ حيث لا يتصور أن يُعَلِّم غيره ولا علم لديه، ففاقد الشيء لا يعطيه، وثانيًا: حاز أجر التعليم والدعوة بما غرس في أهله من قيم وفضائل وآداب، له بها أجرها وأجر من عمل بها، وأسقط ما عليه من واجب في تبليغ دعوة الله – عز وجل – عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ب «لِّغوا عني ولو آية» ” [رواه البخاري] .
أخلص نيتك في تعاملك معها بالحسنى، والخلق القويم، ولأنك ذو أصل وجب عليك أن تكون أخلاقك أخلاق الفرسان شهامة ورجولة، كن غيورًا عليها، احمها … حافظ عليها من نظرات الآخرين وخلساتهم بحجاب شرعي ….
أخلص نيتك في تعاملك وتقرب إلى الله ببر أهلها وصلة ذوي رحمها، والصبر على هفواتها وأخطائها، والتغافل عن بعض ما تقوم بها حسبة لله تعالى.
أخلص نيتكفي إحصان نفسك بها، عَنْ أبي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ “. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: ” أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ “» ” [رواه مسلم] .
أخلص نيتكفي تبسمك في وجهها ومداعبتها والتلطف معها في القول والفعل بل وفي جماعها، وقد ذكرنا ذلك من قبل، ولقد كان أحدهم يقول: ” والله إني لأكره نفسي على جماع زوجتي رغبة أن يرزقني الله منها بالولد الصالح”
وتجديد النية لله –تعالى-وإخلاصها له في الأعمال كلها يجلب الاستقرار النفسي والاتزان العاطفي والبركة والطمأنينة والسكينة والسكن والدفء والحميمية في العلاقة بينكما، قال الله تعالى-:” {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ” [الروم: 21] .
وإنك لتعجب كل العجب من زوج هو خارج بيته ضحوكًا بشوشًا بسامًا متفائلاً، يمازح هذا ويداعب ذاك، فإذا دخل إلى بيته ورأى زوجته كان حزينًا مقطبًا عبوسًا متشائمًا صامتًا لا يتكلم، متجهمًا يتطاير منه كل لفظ بذيء كأن بينه وبين صاحبته عدواة لا تنتهي وبغضاء لا تحد، ولله در الشاعر حين قال:
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
بل كن من خير الناس، ولن تكون إلا إن كنت خيرًا لأهلك، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم-حين قال فيما روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ” [أخرجه الترمذي] .