من يتصدى للعنف المنزلى المتصاعد ضد النساء ؟

توالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي تتخذها دول عدة للحد من انتشار فيروس كورونا.

وارتفعت حالات العنف المنزلي في فرنسا، مثلاً، بأكثر من ثلاثين في المئة خلال أسبوع واحد، ما دفع السلطات إلى الإعلان عن سلسلة من الإجراءات لمساعدة النساء على التبليغ عن تعرضهن للعنف وإيوائهن.

وخرجت تقارير مشابهة في كل من بريطانيا وأسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الدعوة لاتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، والمرتبطة بتداعيات تفشي فيروس كورونا.

في العالم العربي، جاءت أولى التصريحات الرسمية التي تعكس تعاظم مشكلة العنف المنزلي على ضوء تفشي فيروس كورونا من لبنان. فقد صرحت قوى الأمن الداخلي هناك أن الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى العنف الأسري شهد ارتفاعا في عدد الاتصالات التي وصلته بنسبة مئة في المئة في شهر مارس/آذار من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وتشير حياة مرشاد مسؤولة الحملات والتواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، إلى ارتفاع نسبة بلاغات العنف الواردة للخط الساخن للتجمع خلال شهر مارس/آذار بنسبة 180٪ مقارنة بالشهرين السابقين، لكنها توضح أن ارتفاع مستوى العنف المنزلي في البلاد شهد منحى تصاعدياً بدءاً من نهاية العام الفائت، بالتزامن مع تعاظم الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.

وتؤكد شهادات النساء المعنفات، التي شاركتنا إياها غيداء عناني مديرة منظمة أبعاد، الارتباط الوثيق بين التبعات الاقتصادية للأزمة التي يشهدها لبنان وبين ازدياد حدة العنف وتعاظمه.

وتعمق أثر هذه التبعات الاقتصادية مع إجراءات الإغلاق وتعطيل الأعمال بسبب فيروس كورونا، إذ تتحدث نساء عدة عن الضائقة الاقتصادية التي تمر بها أسرهن، وعن زيادة حدة التوتر في العلاقات المنزلية، وارتفاع معدلات العنف نتيجة وجود أفراد العائلة في مكان واحد طوال اليوم، بجانب ضغوط انقطاع مورد الدخل الرئيسي لها.

وتقول عناني إن هذه النسب لا تشكل إلا النزر اليسير من العدد الحقيقي للنساء اللواتي يتعرضن إلى عنف أسري، إذ تشير إلى عدد من المعوقات التي تحد من قدرة النساء على طلب المساعدة، من بينها أنه في ضوء الأخطار المحدقة بالصحة العامة، تعتبر كثير من النساء أن الحفاظ على وحدة الأسرة يشكل أولوية على حماية أنفسهن من العنف.

كما ترصد عناني أن كثيراً من النساء لا يملكن القدرة على التبليغ عن تعرضهن للعنف لعدم امتلاكهن هواتف، أو حتى عدم القدرة على الاختلاء بأنفسهن للتواصل مع الجهات المختصة أو المنظمات طلباً للحماية.

أزمة في الإبلاغ

وقد استفاد لبنان من معرفة عدد كبير من النساء بسبل التواصل الهاتفية مع السلطات والجمعيات النسوية في ضوء إغلاق الطرقات ومراكز الاستقبال، لكن الوضع يختلف في مصر على سبيل المثال.

وتشير سهام علي، المديرة التنفيذية لبرامج المرأة في مؤسسة قضايا المرأة المصرية، إلى عدم وجود إحصاءات دقيقة لدى المؤسسة فيما يتعلق بنسبة العنف نتيجة لإجراءات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا، إذ أن نسبة عالية من النساء اللواتي كن يقصدن المؤسسة كن يقمن بذلك إما عبر زيارة مقراتها، أو المشاركة في أحد أنشطتها، وهو الأمر المتعذر في ضوء إغلاق المقرات لأبوابها.

تتحدث ناديا شمروخ، المديرة التنفيذية للاتحاد النسائي في الأردن، عن آلية شبيهة تعتمد التواصل المباشر مع النساء وزيارتهن في أماكن سكناهن كوسيلة أساسية لتقديم يد العون والنصح والمشورة.

أما خطوط الاتصال التي يخصصها الاتحاد لتلقي الشكاوى وطلب المشورة، والتي كانت موزعة على مراكزه السبعة عشر، فتم تفعيل خط واحد فقط من بينها خلال معظم فترة الإغلاق الكلي التي فرضتها الحكومة الأردنية.

تذكر شمروخ هذه النقاط في معرض حديثها عن عدم تسجيل الاتحاد لزيادة في نسبة التبليغ عن قضايا العنف خلال فترة الإغلاق، لكنها تشير إلى استقبال مركز الإيواء التابع للاتحاد لامرأتين من ضحايا العنف الأسري منذ بدء الحظر، إضافة إلى تلقي عضواته لكثير من الاتصالات من سيدات، كن سابقاً ضحايا للعنف، تطلبن عوناً اقتصادياً في ضوء تعطل مصادر الرزق والعمل التي أمنت سابقاً خروجهن من دوامة العنف.

خطة أمان

في تونس، التي أقرت عام 2017 قانوناً شاملاً لحماية المرأة من العنف، أعلنت السلطات إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة لتلقي الشكاوى حول العنف الأسري خلال فترة العزل الصحي، وروّجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة.

جاء الإعلان عن هذا الإجراء بعد أيام من تصريح وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن في تونس، أسماء السحيري، عن تسجيل أربعين بلاغاً من نساء تعرضن للعنف خلال الأسبوع الأول من الإغلاق، مقارنة بسبعة بلاغات خلال نفس الفترة من العام الفائت.

وأشارت يسرى فراوس، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إلى دور الثقافة المجتمعية في تكريس مبدأ العنف ضد المرأة، إذ رصدت تعليقات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو – على سبيل الدعابة – الرجال إلى انتهاز فترة الإغلاق وتعطيل المحاكم لضرب زوجاتهن أو بناتهن أو أخواتهن و”تأديبهن”.

وتدعو فراوس أي امرأة تجد نفسها ضحية للعنف إلى “الإبلاغ في كل الحالات لأنه قد يوفر أملا بإنقاذ الضحية مما هو أخطر”.

وفي حال تعذر الإبلاغ – على الأقل خلال فترة الإغلاق – فإنها تنصح المرأة بأخذ احتياطات للسلامة الشخصية، من بينها إبقاء كل وثائقها وهاتفها (إن امتلكت واحداً) في مكان مؤمن بعيد عن المعنف، ومحاولة إحداث جلبة ولفت انتباه المحيطين من جيران وغيرهم في حال ازدادت حدة العنف، علهم يتصلون بالسلطات أو يهبون لتقديم المساعدة.

وجدير ايضا للتذكبر يجب توثيق العنف الذي تتعرض له بالصوت والصورة إن أمكن، لأنه قد يكون سبيلها الوحيد لإثبات حقها بعد الحروج من ظلام أزمة كورونا.

Exit mobile version