نظرت كثير من الأبحاث في الآثار الصحية طويلة المدى للإفراط في تناول السعرات الحرارية، التي تشمل زيادة تخزين الدهون ، واضطراب التحكم الغدّي (الهرموني)، والتغيرات في عضلاتنا الهيكلية والنسيج الدهني. مع ذلك، يُعرَف القليل عن كيفية تأقلم جسدنا مع هذه الحالات النادرة من الإسراف، وما لها من تأثير في صحتنا العامة، وذلك هو هدف دراستنا الأخيرة.
يمتلك البشر قدرة هائلة على الإفراط في تناول الطعام على مدار فترة طويلة من الزمن. مثلًا، يشارك أفراد قبيلة ماسا في مهرجان التسمين التقليدي، إذ يحاولون أن يكسبوا أكبر قدر ممكن من الوزن بتناول أكبر كمية ممكنة من الطعام. اكتسب الكثير من الأفراد 11 كيلوجرامًا من الدهون خلال شهرين فقط بأكل 8700 سعرة حرارية في اليوم تقريبًا، وهو ما يزيد ثلاثة أضعاف عن المقدار اليومي الموصى به للبالغين.
مع أن هذا مثال مبالغ فيه، فإنه يرينا أن أجسادنا قادرة على الإفراط في تناول الطعام، وهذا ليس شيئًا جيدًا بالضرورة. حتى أنه قد يكون لمدة قليلة تُقدَّر بنحو 24 ساعة من الإفراط في تناول الطعام بعض العواقب السلبية على صحتنا، مثل ارتفاع تركيز السكر في الدم.
تركز هذه الدراسة على معرفة الكمية التي يستطيع البشر تناولها بعد تخطي نقطة الشبع والامتلاء. ومعرفة تأثير ذلك في الجسم، بقياس مدى تأثير الإفراط في تناول الطعام في عملية الاستقلاب خلال الساعات التي تلي الوجبة.
أُجرِي البحث على مجموعة تشمل 14 رجلًا يتمتعون بصحة جيدة، أعمارهم بين 22 و37 عامًا. في إحدى المحاولات، طُلِب منهم تناول أكبر قدر ممكن من البيتزا إلى أن يشعروا بالشبع. أكلوا تقريبًا 1500 سعرة حرارية في المتوسط، وهذا أقل قليلًا من بيتزا كبيرة واحدة.
في يوم آخر، طُلِب منهم أن يأكلوا حتى يمتلئوا بالكامل، وهذا يتعدى الإحساس الطبيعي بالشبع. استطاعوا حينها تناول الضعف تقريبًا، أي نحو 3000 سعرة حرارية في المتوسط، واستطاع البعض تناول ما يعادل 2.5 بيتزا كبيرة (4800 سعرة حرارية). ويقترح هذا أنك حين تشعر بالامتلاء أو الشبع، فغالبًا أنت نصف ممتلئ فقط.
أُخِذت عينات الدم على فترات منتظمة لمدة أربع ساعات من بداية الوجبة لمعرفة كيفية تأقلم الجسد. ورغم تناول كمية مضاعفة من الطعام، وُجدت زيادة مفاجئة طفيفة فقط في مستويات السكر والدهون في الدم.
تشير القدرة على إبقاء مستويات السكر والدهون في الدم ضمن النطاق الطبيعي إلى مدى صحة استقلاب الفرد. قد تُظهر أيضًا خطر الإصابة بالأمراض، مثل داء السكري من النوع الثاني أو الأمراض القلبية الوعائية.
يستطيع الجسم في حالة الأشخاص الأصحاء النشطين بدنيًّا أن يتحكم في نسب السكر والدهون في الدم بعد تناول وجبة كبيرة، بالعمل بجهد أكبر قليلًا من المعتاد حتى يتحكم في عملية الاستقلاب. وُجد أن الهرمونات المنطلقة من الأمعاء والبنكرياس -متضمنةً الإنسولين- ساعدت الجسد على تنظيم مستويات السكر في الدم. وارتفع معدل ضربات القلب أيضًا بعد الوجبة، ما يؤكد أن الجسم كان يعمل بجهد أكبر لإبقاء الأمور تحت السيطرة.
قِيسَ أيضًا ما شعر به الناس في فترة ما بعد الوجبة، بمراقبة الشعور بالامتلاء والنعاس والرغبة الشديدة في تناول أنواع معينة من الطعام. ففي حين أننا نشعر غالبًا بوجود متسع للحلوى، كانت رغبة المشاركين في الدراسة في تناول أي شيء -حتى الحلوى- شبه منعدمة بعد تجاوزهم نقطة الشعور الطبيعي بالشبع، حتى بعد مرور أربع ساعات من تناول الوجبة. وُجدَ أيضًا أنهم شعروا بالنعاس، وقل نشاطهم كلما تناولوا الكثير.
قِيسَ ما يصل إلى أربع ساعات فقط بعد الوجبة لرصد كيفية تأقلم المشاركين مع الإفراط في تناول الطعام. ولو قِيسَت فترة أطول – 6-8 ساعات مثلًا- كان من المحتمل أن تُرصد اختلافات أكثر، خاصةً أن تراكيز الدهون في الدم تظل مرتفعة فترةً أطول. مع ذلك، تُظهر النتائج أن مرة واحدة من الإفراط في تناول الطعام لا تسبب الكثير من الأذى لصحتك، رغم أن 24 ساعة من الإفراط في تناول الطعام لها تأثير. لذلك قد يركز البحث القادم على فهم كيفية تأقلم جسدنا مع الوجبة التالية بعد الإفراط في تناول الطعام.
إن فهم كيفية تأقلم الجسد بسهولة مع حالات الإفراط في تناول السعرات الحرارية يساعدنا على فهم الضرر الذي يحدث على المدى الطويل. إذ يعتمد البشر الأصحاء على قدرة الجسم على العمل بجهد أكبر في أوقات الحاجة -من طريق زيادة إفراز الإنسولين وهرمونات الأمعاء ومعدل ضربات القلب- للتحكم في معدل الاستقلاب. عندما نتناول الكثير من السعرات الحرارية في كل وجبة، يسبب ذلك المتلازمة الاستقلابية (مزيج من ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة) ويصبح الجسم عاجزًا عن التعامل مع الموقف.
قبل بدء الدراسة، توقّع الباحثون أن يعاني الجسم فائض السعرات الحرارية الضخم بسبب الإفراط في تناول الطعام. تظهر النتائج قدرة الجسد الملحوظة على التأقلم مع ضغط تناول الكثير من الطعام، بتنظيم تركيز السكر في الدم وضغط الدم بإحكام. تاريخيًا، تأقلم جسم الإنسان مع فترات من المجاعة والوفرة، وهذه الدراسة هي دليل آخر على هذا التكيف التطوري.
ركزت الدراسة على المشاركين الأصحاء الشباب، لذا سيكون من المهم بحث كيفية تأقلم الجسم مع الإفراط في تناول الطعام لدى من يعانون السمنة، أو المهددين بالإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني. ومع أن الإفراط في تناول الطعام قد يكون طبيعيًا أحيانًا ولا يعرض صحتنا إلى الكثير من الخطر، من المهم تأكيد أن تناول أكثر مما نحتاج إليه بانتظام هو أمر غير صحي.