الآن وبعد رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، بالتزامن مع تدني أسعار النفط، بدأ النقاش يدور في أوساط المؤسسات المتخصصة حول العرض والطلب العالميين في مجال النفط ومدى تأثير هذا على منحى الأسعار خلال 2016. وأدلت وكالة الطاقة الدولية، التي تمثل مصالح الدول الصناعية الغربية، بدلوها حول مستقبل الأسعار خلال هذا العام، وذلك في تقريرها عن الأسواق لكانون الثاني (يناير) الجاري، واستعرضت توقعاتها في هذا الخصوص.
وفق الوكالة وبعد ستة أشهر تقريباً من قلق الأسواق على ميزان العرض والطلب فيها وإمكانية انخفاض الأسعار إلى مستويات أدنى، بعد التدهور المستمر خلال الأسابيع الأولى لعام 2016، ففي الأسبوعين الأولين، انخفضت أسعار نفطي «برنت» و»غرب تكساس المتوسط» إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل، توقع عدد من المصارف الغربية الكبرى تدهور الأسعار إلى مستويات أدنى، إلى نحو 25 دولاراً للبرميل وحتى إلى 20 دولاراً. وبلغ بعض الأسعار المتوقعة 10 دولارات للبرميل.
وأعلنت شركات النفط الكبرى تخفيضات ضخمة في موازناتها. وألغت شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية أربعة آلاف وظيفة، بينما خفضت شركة «بتروبراس» البرازيلية برنامج استثماراتها للسنوات الخمس المقبلة بنحو 25 في المئة. هذه مؤشرات واضحة، وهناك العديد غيرها مما يدل على توقع فترة طويلة من أسعار منخفضة للنفط. يذكر أن الوكالة لم تشر ولم تلمح حتى إلى انحسار الطاقة الإنتاجية خلال السنوات القليلة المقبلة بسبب تقلص الاستثمارات وإمكانية ارتفاع الأسعار عندئذ. وأضافت الوكالة أن بعض المراقبين يدّعون أن الأسواق أخذت في الحسبان انتهاء الحصار على إيران ومن ثم زيادة إمدادات النفط الإيراني. لكن أسئلة كثيرة لا تزال من دون إجابات، منها ما يتعلق بالكمية والنوعية الخاصتين بالنفط الممكن أن تزود به إيران الأسواق في الفترة القريبة، بالإضافة إلى التحديات الكبيرة والمهمة التي ستواجهها إيران في تسويق نفطها في ظل سوق متخمة بالإمدادات النفطية. وإذا استطاعت إيران بيع نفطها بأسعار مغرية، فهذا سيترك بصماته على الأسواق ويزيد من ضعف الأسعار.
تستنج الوكالة في تعليقها الأول على الأسواق في 2016، أن أسواق النفط تواجه إمكانية تجربة سنة ثالثة على التوالي تفوق فيها الإمدادات الطلب بنحو مليون برميل يومياً، وأن الأسواق ستجد مرة أخرى صعوبة في استيعاب هذا الفائض من النفط. وتشير التوقعات إلى انخفاض الإمدادات من الدول غير الأعضاء في «أوبك» بنحو 600 ألف برميل يومياً، لكن هذا الانخفاض ستعوضه زيادة الإنتاج الإيراني. وتتوقع الوكالة أن تزيد دول أخرى أعضاء في «أوبك» الإنتاج للحفاظ على أسواقها. وتضيف أن «الزيادة الكبيرة في الأسعار الداخلية للمحروقات في السعودية تشير إلى أن أكبر دولة منتجة في المنظمة تستعد لفترة طويلة من الأسعار المنخفضة». وشهد عام 2015 واحداً من أعلى المعدلات العالمية للطلب على النفط خلال القرن الحادي والعشرين. لكن من غير المتوقع تكرار هذه التجربة خلال عام 2016، على رغم انخفاض الأسعار إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل. وبدأ عام 2016 بالعديد من التوقعات السلبية والمتشائمة حول النمو الاقتصادي العالمي. وخير دليل على ذلك هو الأخبار الاقتصادية السلبية من كل من الصين والبرازيل وروسيا.
وسيترك ارتفاع قيمة الدولار آثاراً سلبية على التكاليف بالعملات المحلية للدول المستوردة، خصوصاً في الصين، ثاني أكبر بلد مستورد ومستهلك للنفط الخام في العالم، فهي شكلت دينامو الطلب العالمي على النفط في السنوات الماضية. ونتيجة لهذه التوقعات السلبية تتوقع الوكالة زيادة الطلب بنحو 350 ألف برميل يومياً فقط، وهو أقل من التوقعات السابقة. وصدرت التوقعات السلبية قبل إعلان الصين توقعها نمو الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 بنحو 6.9 في المئة مقارنة بمعدات فاقت سبعة في المئة خلال الأعوام الأخيرة.
ورجحت الوكالة، في ظل زيادة إيران إنتاجها نحو 600 ألف برميل يومياً بحلول منتصف العام وفي حال حافظت بقية بلدان «أوبك» على المستويات الحالية لإنتاجها، وهذا أمر غير أكيد في ضوء المنافسة القائمة والزيادات في الطاقة الإنتاجية لبعض البلدان، أن تزيد إمدادات النفط الخام عن الطلب بنحو 1.5 مليون برميل يومياً. وعلى رغم توقع انخفاض تخمة المخزون النفطي العالمي نتيجة لانحسار الإمدادات من البلدان غير الأعضاء في المنظمة، تستنج الوكالة «أن الأسواق ستغرق في تخمة النفط الخام، ومن ثم فالإجابة على سؤالنا، هي نعم، يمكن للأسعار أن تنخفض أكثر».