أميركا وإيران تعيقان بعضهما في القضاء على الدولة الإسلامية
خطت القوات العراقية، مدعومة بالضربات الجوية الأميركية، خطوات واسعة في إقليم الأنبار بهدف استعادته من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
ومع ذلك، يتضور المدنيون جوعاً في مدينة الفالوجة الواقعة في إقليم الأنبار ذي الأغلبية السنية التي خضعت لسيطرة تنظيم داعش لفترة أطول من أي مدينة أخرى بسوريا أو العراق، حيث يحاصر الجيش والميليشيات العراقية المدينة.
وفي مواقع أخرى بالإقليم، تقترف الميليشيات الشيعية الموالية لإيران جرائم اختطاف وقتل بحق المدنيين السنة وتحد من تحركاتهم، بحسب مسؤولين أميركيين وعراقيين.
ويرى مراقبون – بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الإثنين 25 أبريل/نيسان 2016 – أن التدخل العسكري الأميركي في العراق، الذي يرجع إلى أكثر من 25 عاماً منذ بدء حرب الخليج، يمثل جزءاً من النمط المألوف الذي يستهدف تحقيق مغانم عسكرية لا تخلف الاستقرار.
وكتب كينيث بولاك، المحلل في الشأن العراقي من مؤسسة بروكينغ: “لسوء الحظ، كما هو الحال دائماً مع التدخل العسكري الأميركي في العراق منذ عام 2003 على الأقل، فإن النجاح العسكري الذي تم تحقيقه لا يضاهي الجهود السياسية والاقتصادية التي سوف تحدد في النهاية ما إذا كانت تلك النجاحات ستتحول إلى إنجازات دائمة”.
إيران في مقابل أميركا
ويحذر عدد كبير من النقاد أن الانتصارات العسكرية للولايات المتحدة تحتاج إلى الدعم من خلال التوصل إلى تسوية سياسية بين الشيعة والسنة، وهو ما تسعى إيران إلى إفشاله، وإلى بذل جهود هائلة لإعادة بناء المدن حتى يستطيع المدنيون العودة إليها.
ويشير النقاد إلى أن الموقف في الأنبار بالغ السوء. فقد زادت الميليشيات الشيعية من حدة العداوة الطائفية وأخفق مئات الآلاف من المدنيين من العودة إلى أوطانهم.
ويذكر المحللون والمسؤولون أنه أصبح واضحاً أنه رغم رغبة الولايات المتحدة وإيران في القضاء على تنظيم داعش في العراق، إلا أنهما لم يتمكنا من التعاون معاً لتحقيق وحدة الدولة، حتى بعد التوصل إلى اتفاق في العام الماضي بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي كان يأمل البعض أن يحقق التعاون بين البلدين عن كثب.
ويتضح ذلك الأمر بصورة جلية في صحارى الأنبار الشاسعة الواقعة غربي العراق التي كانت على مدار سنوات طويلة موطناً لداعش، ومن قبله تنظيم القاعدة في العراق، حيث لقي مئات الجنود الأميركيون مصرعهم عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وبينما تدعم الولايات المتحدة الجيش العراقي وبعض مقاتلي القبائل المحلية في صراعهم ضد تنظيم داعش، تسعى إيران إلى تحقيق أهدافها بالإقليم، بحسب ما ذكره مسؤولون. وترغب إيران في تأمين الطرق البرية المؤدية إلى سوريا وحزب الله الشيعي اللبناني وحماية بغداد وجنوب العراق الخاضع لسيطرة الشيعة.
ميليشيات الشيعة
أصبح الموقف في الأنبار أكثر فوضوية حيث كثفت إدارة أوباما من دعمها العسكري للعراق وأعلنت أنها سوف تنشر طائرات الأباتشي وقوات إضافية بالقرب من الخطوط الأمامية. واعتبرت الانتصارات التي تحققت في الأنبار بمثابة خطوة هامة نحو تحرير البلاد من قبضة “داعش”، وتمهيداً لشن حملة لاستعادة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، ربما خلال هذا العام.
ومع ذلك، تؤدي الحروب التي تخوضها إيران بالوكالة إلى تقويض الجهود المبذولة لتوحيد صفوف المدنيين، وهي ضرورة حتمية إذا كانت العراق تسعى إلى القضاء على التطرف.
وقامت ميليشيات الشيعة خلال حصارها لمدينة الفالوجة السنية بمنع المدنيين من الفرار من الإقليم الخاضع لسيطرة التنظيم، ورفض السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المدينة. ويذكر المدنيون من السنة تزايد عمليات الاختطاف والقتل على أيدي الميليشيات.
وفي بعض الحالات، في أعقاب اختفاء المدنيين، تحصل عائلاتهم على مطالبات بتقديم فدية.
وذكر أبوعبدالرحمن، من سكان أميرية الفالوجة الخاضعة لسيطرة الحكومة، أن 3 من أبناء عمومته قد اختفوا في العام الماضي بعد أن تم توقيفهم بإحدى نقاط التفتيش التابعة للميليشيات.
وقال أبوعبدالرحمن: “م نسمع عنهم أي شيء منذ ذلك الحين”، رغم أن رجلاً طلب من الأسرة سداد فدية تبلغ 8000 دولار، وتم سدادها بالفعل، وأضاف: “لكنه اختفى ومعه المبلغ المالي”.
يأتي ذلك بينما يواجه عشرات الآلاف من المدنيين ظروفاً سيئة للغاية في الفالوجة، حتى أن العشرات يموتون جوعاً، بحسب ما ذكره مدنيون ونشطاء. وقد ارتفعت أسعار الأغذية، حيث ارتفع سعر جوال الدقيق من 15 إلى 750 دولاراً في بغداد، وفقاً لما ذكرته منظمة هيومان رايتس ووتش.
وحذرت “هيومان رايتس ووتش” من أنه في حالة عدم وصول المساعدات إلى الفالوجة “ستكون النتائج كارثية على المواطنين”.
وذكرت ليز جراند، منسقة المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، خلال بيان صدر مؤخراً: “إننا نشعر بالقلق الشديد إزاء الفالوجة. وهناك تقارير حول النقص الشديد في الأطعمة والأدوية. وليس لدينا إمكانية للوصول إلى المدينة”.
وذكر هادي الأميري، المسؤول العراقي البارز الذي يتزعم ميليشيات تنظيم بدر الموالي للعراق، خلال لقاء أجراه هذا العام مع بدء حصار الفالوجة، أنه كان يتوجب من الناحية العسكرية “حصار المدينة وقطع خطوط الإمدادات عنها”.
وفي سؤال حول مطالبة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات بإيجاد وسيلة لإرسال الأغذية، ذكر مستخدماً تعبيراً مختلفاً للدلالة على تنظيم داعش “كي نقدم الأغذية لمن، لداعش؟”.
الفلوجة
وفي الفلوجة يذكر بعض المدنيين الذين كانوا يدعمون التنظيم في البداية ويفضلونه عن الحكومة في بغداد، أنهم يرحبون حالياً بالتحرير. ولكنهم يذكرون أنهم وقعوا في شرك بين تنظيم داعش الذي تفاقمت وحشيته ضد المدنيين مع تصاعد حدة الحصار وبين الحكومة والميليشيات من جهة أخرى.
ونقل تقرير الصحيفة الأميركية عن أحمد محمد المقيم بالفلوجة قوله عبر الهاتف: “الموقف في الفلوجة صعب للغاية بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الأمن خارج المدينة وبسبب تنظيم داعش داخلها الذي لا يسمح لأحد بالخروج من المدينة”.
يمكن تحديد موقع المكالمات الهاتفية ويتعرض من يتحدث بالهاتف المحمول لخطر الاعتقال. وذكر قيس الجميلي عبر الهاتف في الأسبوع الماضي: “أصبح من الصعب علينا استخدام هواتفنا المحمولة؛ نظراً لأن تنظيم داعش يتوقع منا أن نتحدث مع الحكومة. ولذلك فنحن نتوخى الحذر الشديد”.
وأضاف: “لا نعرف مصيرنا أو مصير عائلاتنا”.