مقالات الرأي

التوظيف اللاأخلاقى للخوف من وباء الكرونا – جماعات الكهنوت السياسي نموذجا ..

استقظت من نومي الساعة الثانية إلا الربع صباحاً علي هتافات ، واصوات صياح تتعالي في المنطقة التي أقيم فيها بمدينة الأسكندرية ..

ظننت أن شئ ما يحدث في الشارع .. فاسرعت إلي أقرب نافذة لي مخبئاً صدري ووجهي بما تدثرت به خشية لفحة البرد لأتبين الأمر ..

هتاف من البلكونات لمدة تقترب من الساعة ..
– الله أكبر .. الله أكبر
.. يارب.. يارب ..

هل هو أمر مرتب من قبل البعض ، وخاصة أن الأسكندرية هي أحد معاقل الجماعات السلفية وتنظيمات الكهنوت السياسي منذ عقود ؟

أم هي حالة تضرع جماعي تعبر عن خوف ووجل وفزع إنساني ..؟

أم هي حالة ركوب لمشاعر الناس من أحد الجماعات الدينية ؟

فجأة يبرز صوت رجالي مسموع كما لو كان يستخدم مكبر ما للصوت يهتف أو كان كذلك بالفعل .. ثم تردد البلكونات ورائه .. أصحح .. يبدو أنه لايستخدم مكبر صوت .. لأن الصوت أشبه ب(الجعير) القوي ..

والبلكونات تردد ورائه ..

فقط أسجل ماجعلني هذه اللحظة انهض من فراشي لأري مايحدث ..

من الممكن أن هناك إحساس عميق لدي الناس بخطر الوباء ..

يتعالي الصياح من البلكونات ..

ليس في استطاعني تفسير شئ أقرب إلي أن يكون متكاملاً محدداً الان ..
ولا استطيع في هذا التوقيت الوقوف علي طبيعة هذا المشهد وتحليله سريعاً في نفس اللحظة ..

لاأستطيع في ظل حالة عدم الجاهزية الذهنية نتيحة النهوض المفاجئ من النوم الجزم بشئ محدد ..

لنري ..

الأمر في حاجة إلي بعض التبين
الصباح رباح
كما يقول أهلنا ..
لم أنم ..
قررت أن افتح التلفاز ، وأدرت المؤشر علي قنوات الكهنوت السياسي التى تبث من تركيا ، ادركت أن هواجسي صحيحة وماتوقعت قد حدث .. فتلك القنوات كانت تبث دعوة بالوقوف فى البلكونات وإطلاق التكبيرات ،كمظاهرة تختبر عبرها قدرتها على إدارة تكتيكاتها ، كانت دعوات قنوات الشرق ، ومكملين تبث لقطات من مظاهرات البلكونات وتتباهى بالنجاح الكبير التى حققته فى مدينة الأسكندرية ..

مظاهرات البلكونات بالأسكندرية
___________________________

إذن فى تصرف شديد الإنتهازية وبالغ في انحطاطه الأخلاقي .. يحاول السلفيون والإخوان في الأسكندرية ركوب اللحظة باللعب علي مشاعر الناس في لحظة الإحساس بالخوف من خطر الوباء ..

وكتجار بارعين بالمشاعر والشعائر .. يعرفون أن لا أحد من أهلنا ضد التضرع إلي الله ..
سواء كانوا مسلمون أو كانوا مسيحيون ، أو كانوا متدينيون أو غير متدينيون ..

تجار الدين الإنتهازيون يحاولون توظيف حالة الإحساس بخطر وباء الكرونا ، ومشاعر الخوف الطبيعي لدي الناس للترويج لبضاعة انكشف تلفها ، وفاحت رائحة عفنها وتحللها ..

يفعلون ذلك عبر تدبير إطلاق تكبيرات من البلكونات في التجمعات السكنية ، وم ثم توظيفها لأغراض سياسية هدفها خلق إحساس بالهيمنة علي مفاصل المجتمع المصري ، وبالتالي إثبات الشرعية الزائفة في الحق في السلطة السياسية (إلي جانب السلطة الدينية بطبيعة الحال)

أعتقد لن يكسبون شيئاً مهماً من وراء تلك الإنتهازية اللا اخلاقية ، لأن الكهنوت السياسي إلي زوال ..

اليوم التالى ..

______________

صحيح أنه ما أن تعطى ظهرك للبحر في الأسكندرية وتنظر إليها جيداً ، وتتوغل في شوارعها ، ومبانيها مابعد خط البحر ، وأسواقها ، وتطالع الكتابات التي كتبت علي حوائطها ، وتتأمل جيداً ..
ستعرف أن ترابها لم يعد زعفراناً كما قلنا عندما كنا نتغزل بها في صبانا ..

وأنها لاهي أصبحت مدينة ريفية ، ولاهي ظلت المدينة الكوزموبوليتانية ، أو حتي صارت تنتمي للمدينة الحضارية الحديثة ..

هي نموذج صارخ لأثار فعل المسوخ التي ظلت تصبغ وجه المدن المصرية منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتي تاريخه ..

ولكن يبدو أن أهلنا في الأسكندرية قد أدركوا أمس تلك الخديعة التي نصبها الإخوان والسلفيون لمشاعرهم الدينية الطبيعية ، ومحاولتهم توظيف تضرعاتهم ودعواتهم الطبيعية جداً والمتفهمة في حالة الخوف والهلع من الوباء التي تمر بها البشرية جميعها ..

فعلي الرغم من إلحاح قنوات جماعات الكهنوت السياسي (فرع تركيا) علي الدعوة لتكرار صيحات التكبير من البلكونات وحددت له ميعاد الثامنة من مساء أمس ، إلا أن هذا الإلحاح وهذه الدعوة من الواضح أنها لم تجد الإستجابة ، ولم تجد من يلبي نداءها ..

عدم الإستجابة
تبين أيضاً كيف خدعت جماعات الكهنوت السياسي نفسها حين تصورت أنها تستطيع ضبط إيقاع الفعل الشعبي العام ، وأنها قادرة علي إظهار ذلك في الوقت الذي تحدده ، ومن ثم التصاعد به إلي تحقيق أهدافها الخاصة ..

كذلك فإن عدم تكرار الإستجابة يثبت خطأ التعميم الذي ربما يكون قد وقع فيه الكثيرون من أن الأسكندرية (كلها) قد أصبحت سلفية الهوي استناداً علي حقيقة أنها كانت ولازالت أحد المعقل الرئيسي للجماعات السلفية وهذه حقيقة لايمكن التقليل من شأنها ، وإن كان هذا لايعني خضوع جميع أهالي الأسكندرية لهذا التيار اللعين ، وأن غالبيتهم كغالبية الشعب المصري الساحقة إن كانت ترتفع لديهم المشاعر الدينية لأسباب تاريخية متعددة لايتسع المجال للحديث لشرحها وسبر أغوار أدغالها التاريخية والإجتماعية العميقة ، إلا أنه شعب لديه من المخزون الحضاري مايجعله محصناً ضد هيمنة الكهنوت السياسي ، ويجعله مرشحاً علي الدوام لإقتلاع هذا الوباء الإجتماعي بمخالبه الثقافية والسياسية .. ، حتي وإن طال وقت انتظار إثبات ذلك المعني ..

تحية لكل شعبنا
في الأسكندرية ، والصعيد ، والأطراف الصحراوية والحدودية، وفي الدلتا وماحولها ، والقاهرة الكبري والصغري ، وكل العواصم والأرياف والسواحل والبوادي ..

وتمنياتنا أن ينزاح هذا الوباء عن كل البشرية ، وأن يوفق الله (رب الجميع من المتدينين وغير المدينين علي اختلاف وتنوع العقائد والملل والأديان ) الجهد الإنساني العلمي والطبي في صد خطر هذا الوباء ، والتغلب عليه بشكل نهائي وفعال يشمل الفقراء قبل الأغنياء ..

للكاتب :-

حمدى عبد العزيز

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى