في ظل جائحة كورونا أصبح العالم كله في حاجةٍ ماسةٍ إلى الكمامات والقفازات الواقية، وإلى معدات الفحص ولوازم الاختبار، وإلى أجهزة التنفس وأطقم العزل الصحية، والمعقمات بأنواعها وسوائل التطهير والنظافة المختلفة، وإلى التقارير الدورية والمعلومات الجديدة، ونتائج الفحوص المخبرية والتجارب العملية، فضلاً عن الحاجة إلى الدواء الشافي والعلاج المناسب لبعض المصابين الذين يتمتعون بمناعة داخلية عالية، إلا أنهم يكونون في حاجةٍ إلى بعض الأدوية المساعدة، وهي أدوية معروفة ومشهورة، وسبق استخدامها في علاج أنواع مختلفة من الأنفلونزا.
استغل التجار والصناعيون ورجال الأعمال على مستوى العالم كله هذه الأزمة، وانظمت إليهم عصاباتٌ دولية ومنظماتٌ غير شرعية، وشرعوا يصدرون منتجاتهم إلى مختلف دول العالم لكن بالأسعار التي يحددونها، وبالكميات والنوعيات التي يقررونها، بعد أن قاموا بحجزها لفترة، وسحبها من الأسواق لغاية، حتى نضبت وقلت كمياتها، فزاد الطلب العالمي عليها وارتفعت أسعارها، ونافستها منتجاتٌ أخرى متدنية الكفاءة أو مخالفة للمواصفات الدولية وغير متطابقة مع الشروط الصحية، فخدعوا المستهلكين وربما ألحقوا بهم ضرراً صحياً فضلاً عن الخسارة المادية، حيث هرع سكان الأرض جميعاً لشراء وسائل الوقاية ومستلزمات العلاج، وتهافتوا على الأسواق وتنافسوا على الشراء، الأمر الذي أدى إلى مزيدٍ من رفع الأسعار.
واتجهت العديد من الشركات الصناعية غير المختصة إلى تصنيع أجهزة التنفس الصناعية، ومختلف وسائل الوقاية والحماية، وأدوات التعقيم والتطهير والنظافة، وأطلقت أوسع حملات الدعاية والإشهار لمنتجاتها، إلا أنها فاضلت بين الدول في بيعها، وفضلت بيعها لدولٍ غنيةٍ قادرةٍ، وامتنعت عن تزويد الدول الفقيرة بها، والشعوب العاجزة عن دفع ثمنها، إلا إذا قبلت بشروط الشركات المنتجة، ووافقت على أسعارها، ووثقت عقودها الحصرية، والتزمت بدفع ما يترتب عليها عاجلاً وفق السعر المحدد، أو آجلاً بنسب زيادةٍ تصاعدية، تعجز أغلب الدول الفقيرة عن الوفاء بها وسدادها، في ظل حالة الركود الاقتصادي العالمي المخيف.
أما المستشفيات فقد رفعت من تسعيرتها، وتشددت في شروطها، وامتنعت عن تقديم خدماتها الطبية إلا وفق أفضلية السعر الأعلى، متعذرةً بخطورة الفيروس على طواقمها الطبية المختلفة، إذ انتقلت العدوى وأصيب بالفيروس العديد من الأطباء والممرضين والعاملين في المؤسسات الصحية، الأمر الذي يفرض عليها رفع أسعارها وتقنين خدماتها، وفرض سياسة عنصرية بغيضة تقبل بالأغنياء وترفض الفقراء وتتخلى عنهم، وترحب بالمواطنين وتغلق أبوابها أمام الوافدين واللاجئين، إلا إذا التزموا بأسعارها العالية وشروطها القاسية، ومضت على سياسة المستشفياتِ الصيدلياتُ وشركاتُ الأدوية، التي تحولت إلى دكاكين صغيرة ومتاجر بالجملةِ ومستودعاتٍ كبيرة، تفرض أسعارها وترفع من نسبة أرباحها، وترفض أي انتقادٍ لها.
قد لا تكون هذه الظواهر السلبية سائدة سوى في بلادنا العربية، التي تشكو من فساد الفئة الحاكمة، وجشع الطبقة الاقتصادية وطمع قطاع رجال الأعمال، وشيوع المهربين وعصابات التشبيح، وتستر الأجهزة الأمنية والجمركية على بعضها، وغيرهم ممن تحكمهم المادة وتسيرهم الأرباح، الذين يرفضون أنسنة تجارتهم وتحكيم ضمائرهم، ويصرون على التعامل مع المجتمع وفق قوانين السوق المتوحشة، التي لا ترحم الفقير ولا تدع مجالاً للتراحم بين الناس، رغم علمهم بالضائقة الاقتصادية التي يعيشها العالم وتعاني منها كل الشعوب، في ظل تفشي جائحة كورونا التي عطلت عجلة الاقتصاد، وزادت معدلات الفقر والبطالة.
إلا أن حكومات الدول الأوروبية الموبوءة، والصين واليابان وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المعنية بشؤون مواطنيها والحريصة على حياتهم، فقد تصدت بنفسها لمواجهة هذا الفيروس وعملت على الحد من انتشاره، وتكفلت تجاه مواطنيها والمقيمين على أرضها، بتوفير كل ما يلزم لهم من معداتٍ طبيةٍ، وأجهزة اختبارٍ وأدوات فحصٍ، والتزمت بعلاج المصابين منهم، وتوفير أماكن حجرٍ مناسبة لهم ولائقة بهم، كما فرضت للعاطلين عن العمل، والمحجورين في بيوتهم، والعاجزين عن تغطية نفقات عيشهم، مساعداتٍ نقديةٍ عاجلةٍ، وتعهدت يومياً بتوفير ما يلزمهم من طعامٍ وشرابٍ وخبزٍ ومعقماتٍ، وغير ذلك من مقومات الصمود في مواجهة المرض، والثبات على مساعي محاربة الفيروس والحد من انتشاره.
قد يكون من صالح شركات إنتاج الأدوية ومصانع وسائل الحماية والوقاية المختلفة، أن يستمر الوباء لفترة أطولٍ، ويزيد الهلع بين شعوب العالم أكثر، لترتفع الحاجة إلى هذه المستلزمات الصحية العلاجية والوقائية، لتحقيق المزيد من الأرباح، وتصريف المخزون من البضائع والمواد الأولية المستخدمة في التصنيع، وتشغيل المعامل المتوقفة والمصانع المغلقة، وتنشيط الأيدي العاملة العاطلة منذ سنواتٍ، وذلك لتحقيق أرباحٍ طائلةٍ على حساب المرضى الفقراء والأغنياء على السواء، ولعل بعض العالمين ببواطن هذا المرض وأسراره، يتاجرون به ويستثمرونه، ويحرصون على عدم إفشاء حقيقته والإسراع في نهايته، حتى يتحقق هدفهم الأول وغايتهم الدائمة، فتمتلئ جيوبهم وتعمر بالأموال خزائنهم، وتتضاعف في البنوك ودائعهم.